لعبت احتجاجات وثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي» دوراً مهماً وحاسماً في زعزعة أركان النظام الإعلامي العربي خلال العقد الأخير، وتجلى ذلك بوضوح أكبر في البلدان التي تفجرت فيها عوامل الحراك السياسي والاحتقان الاجتماعي منذ مطلع ذلك العقد، وربما تكون مصر وتونس واليمن من أبرز تلك البلدان. فقد سمحت ظروف الهامش الديمقراطي والحريات النسبية المتاحة لديها بتحفيز الصحافة والفضائيات الخاصة، وتوظيف أدوات الإعلام الجديد «السوشال ميديا» في التمرد على ثوابت الإعلام الرسمي، وتحرير قطاعات واسعة من الجمهور من سطوته. ومن غير المبالغة في هذا السياق القول بأن التضافر والتلاقح الفريد الذي نشأ بين وسائط الإعلام التقليدية وبين تقنية الإعلام الحديث، قد لعب الدور الأهم في تهيئة أجيال «الربيع العربي» للثورة وبلورة توجهاتها السياسية والمجتمعية، وهنا يمكن التأكيد على أنه إذا كان القهر السياسي والاجتماعي لأنظمة الاستبداد والاستغلال هو المفجر لثورات الشعوب، فإن الإعلام الاجتماعي الجديد هو الذي يهيئ ويعجل بإنجازها.
إذاً مما لاشك فيه أن للإعلام ولاسيما الجديد دوراً فاعلاً في تشكيل سياق الإصلاح السياسي في المجتمعات المختلفة، حيث تنعكس على طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير. ويتوقف إسهام ودور وسائل «السوشال ميديا» في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع وحجم الحريات، وتعدد الآراء والاتجاهات داخل هذه المؤسسات، بجانب طبيعة العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية المتأصلة في المجتمع، فطبيعة ودور وسائل هذه التقنية الحديثة والمتطورة على مدار الساعة في تدعيم الديمقراطية، وتعزيز قيم المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله، ودرجة الحرية التي تتمتع بها داخل البناء الاجتماعي.
فالإعلام المنخرط يلعب في عملية التغيير، دوراً أساسياً في استمرارية العمل السياسي الإصلاحي والتوعوي، الذي تناط به مسؤوليات «حماية مكاسب التغيير الديمقراطي وتطويرها، وكشف جميع المعوقات والصعوبات التي تحول دون نجاحها، والحفاظ على روح الوهج الثوري والمضي في طريق التحول الديمقراطي على مستوى البلدان العربية لاسيما بلدان ما يسمى بـ«الربيع العربي»»، لذلك يقتضي بناء الرسالة الإعلامية المرافقة لعملية الانتقال الديمقراطي، عملاً إعلامياً محترفاً يعيد صياغة وإعداد وتقديم مواقف المواطنين، والاتجاهات العامة للرأي العام التي تتشكل على منصات «السوشال ميديا».
وبعد الاطلاع على أدبيات العلوم السياسية نلاحظ أنه لا توجد نظرية علمية شاملة ودقيقة توضح وتشرح طبيعة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي، فالدراسات والنظريات المتوافرة حول هذه القضية يكتنفها التنافر والغموض لدرجة التعقد والتشابك إلى حد كبير، فقد أوجدت تلك الدراسات تباينات حول عما إذا كانت هناك علاقة إيجابية أم سلبية بين وسائل الاتصال والديمقراطية، وعما إذا كان ينبغي أن تسبق عملية تحرر وسائل الإعلام خطوات التحول الديمقراطية أم العكس. ولكن من الممكن اليوم تصنيف العلاقة بين وسائل الإعلام السوشالي والتحول الديمقراطي في ضوء ثلاثة اتجاهات. الأول يعترف بالدور الفاعل للإعلام الاجتماعي في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، باعتبار أن وسائل الإعلام أداة أساسية في الانتقال الحر «الديمقراطي» والإصلاح السياسي بمعناه الحر. والثاني ينظر بنظرة سلبية لدور «السوشال ميديا» في عملية هذا التحول، من منطلق عدم وجود علاقة إيجابية واضحة ومحددة. والاتجاه الثالث والأخير ينظر إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام الجديد والديمقراطية بوجهة نظر اعتدالية تعطي للإعلام أدواراً محددة في مرحلة التحول.