ضاق الإنجليز ذرعاً بقصائد وأشعار أحمد شوقي المعارضة لاحتلالهم لمصر، فقاموا بنفيه إلى إسبانيا عام 1915، في محاولة منهم للحد من تأثير شعره على الحياة السياسية في البلاد. كان سبب النفي أن شوقي نظم قصائد في السياسة، عبر فيها عن معارضة قوية لوجود الإنجليز في مصر.
كانت مسرحية «شريعة الغاب» من مسرحياته التي تضمنت إيحاءات سياسية، كتبها على لسان الحيوانات ليبين واقع الحياة، وكيف يقع الظلم دائماً على الضعيف، يتذكرها المرء، وهو يرى أحوال عالم اليوم. شخوص المسرحية هي: الأسد، والنمر، والثعلب، والدب، والذئب، والحمار. وتبدأ القصة باجتماع دعا إليه الأسد، لمناقشة تفشي مرض الطاعون في الغابة. وافتتح الاجتماع بموعظة أشار فيها إلى أن «القدماء قالوا إنه إذا نزل الطاعون بقوم يكون ذلك عقاباً لهم على ذنوبهم، فإن اعترفوا بها وتطهروا منها يذهب المرض»، وطالب الجميع أن «يعترف كل بذنبه». فرد النمر بالموافقة داعياً أن «يعيش مولانا الأسد». ثم اعترف الأسد بما اقترفت يداه من قتل وفتك، ووصف الآلام التي تسبب بها، وسأل الحاضرين: «هل تحسبوني مذنباً» ؟ فرد عليه الثعلب الماكر: «بل أنت أهل للمديح، اقتل جميع الناس يا ملك الوحوش لنستريح». ثم اعترف النمر بذنوبه وبعده الدب. وعاد الثعلب للحديث بلسان الحكيم الماكر قائلاً: «شر المنازل للفتى ما ليس ينفع أو يضر، إن الشجاع إذا رأى خطراً يحيط به يفر». وقال موجهاً حديثه للحمار: «والآن ما لك يا حمار لزمت صمتك مستريحاً، ذي سكتة الجاني يخاف إذا تكلم أن يبوحا». دافع الحمار عن نفسه قائلاً: «أنا ما جنيت ولست أذكر أن لي عملاً قبيحاً». وأدلى بإفادته قائلاً: «قد كنت يوماً جائعاً والليل يوشك أن يلوحــا، والأرض تبعث حرها ويكاد جسمي أن يسوحا، فمررت قرب الدير أشكو في الفؤاد له جروحا، وتكاد رجلي أن تزل وكاد جفني أن ينوحــا، فوجدت عشباً ذابلاً في بعض ساحته طريحـا، وتمثل الشيطان يغريني ويبدو لـي نصيحـا». ويسأله الثعلب: «أأكلت»؟ فيرد الحمار: «نعم أكلت». ويتدخل النمر ويقول: «قد اعترفت». وعلى الفور يعلن الثعلب حكم الإعدام على الحمار بالاستناد إلى قانون: «من مس مال الوقف في قانوننا دمه أُبيحا». ثم أعلن الأسد أن الحرق سيكون مصير الحمار بحجة «أكله مال الصوامع». واختتم الثعلب الاجتماع بقوله: «إن الفتى إن كان ذا بطش مساوئه شريفة»، بمعنى إن من كان قوياً توصف عيوبه وأخطاؤه وذنوبه بأنها أعمال محترمة.
إذا أسقطنا قصيدة أحمد شوقي على الواقع السياسي نجد أن عالم اليوم تسوده فعلاً شريعة الغاب. فمثلما هو حال الغابة، نجد أن الأقوى هو الذي يسود، ويفرض إرادته ورأيه وشروطه على الضعيف. فلا يختلف الأمر في عالم البشر عن عالم الحيوان، إذ يأكل الكبار الصغار، فترى الدول الأقوى، كالدائمة العضوية في مجلس الأمن مثلاً، تسود العالم. فأسد غابة البشر هي أمريكا، والدب، روسيا، والثعلب، بريطانيا، والذئب، فرنسا، والنمر، الصين. أما حمار الغابة، المسكين الضعيف، الذي لا حول له ولا قوة، فهو يمثل بقية العالم.
ومثلما فعل أمير الشعراء، في جعل الحمار يمثل الضعيف المظلوم، فقد لقب الشاعر محمد الماغوط، في أعماله الفنية، الحمار بـ «أبو صابر»، على لسان «غوار الطوشة»، الشخصية الهزلية التي ابتدعها الماغوط، إلا أننا نجد أن هذا الحيوان المظلوم يلقى أحياناً بعض التعاطف من الناس. فها هو الفنان زكي طليمات يؤسس «جمعية الحمير» في مصر، عام 1930، وانضم إليها نخبة من كبار المثقفين. وفي عام 2010، قررت «جمعية حمير كردستان» العراق، القائمة منذ التسعينات، أن تتحول إلى حزب يحمل اسم «حزب الحمير في كردستان» لاقتحام العمل السياسي، وانضم إليه آلاف الأعضاء.
فهذه محاولات من البشر للدفاع عن حيوان يتعرض لأكبر قدر من السخرية، والإهانة، والاستغلال، مثلهم تماماً. أليس الأجدر بحمير العالم الحقيقيين أن يرفضوا الظلم، ويرفعوا صوتهم عالياً. فهيا يا حمير العالم اتحدوا!
* إعلامي أردني