يطل علينا في الإعلان رجل مبتسم سعيد وهو يحمل هاتفه الذكي. الهاتف نفسه يبدو سعيداً تكسوه أيقونات الابتسامة. يبعث الإعلان إشارة لدماغك تقول إنك ستنتقل من أصحاب التعاسة إلى السعادة باقتنائك جديد الهواتف والأجهزة الذكية. غالباً أنت من ضمن 2.2 مليار شخص يستخدمون الهواتف الذكية اليوم والتي اختصرت العالم في كبسولة تضعها في جيبك وترافقك أينما ذهبت. قد تكون أيضاً واحداً من 350 مليون شخص مصابين بالاكتئاب، أو أحد ملايين المصابين بالأرق ممن ترتفع أعدادهم بصورة تثير قلق العالم وفقا لمؤسسة الصحة العقلية البريطانية.
ثمة دراسات تستنتج ما يكدر ابتسامة فتى الإعلان، وتربط بين الاكتئاب وبين الاستخدام المكثف للهاتف الذكي ومنها دراسة لجامعة ألينويز الأمريكية. أما المفارقة فهي أن الأجهزة الذكية قد تكون سبباً في خلق جيل قليل الذكاء. من الشواهد على ذلك أن قدرة الفرد على التركيز في المحاضرة أو الدرس انخفضت إلى خمس دقائق فقط بسبب التشتت الذهني الذي يسببه الجهاز الذكي، ويكثر النسيان وصعوبة تذكر الأسماء والأماكن والأحداث عند مستخدمي الأجهزة الذكية بكثافة، وتقل مهاراتهم الاجتماعية بحسب دراسات منوعة.
أما إنتاجية الفرد التي يبدو للوهلة الأولى أن التقنيات الحديثة تسهم في رفعها فقد تتضرر هي الأخرى من استخدام الأجهزة الذكية. خلص استطلاع لمؤسسة «كاريير بيلدر» أن نصف الموظفين تشتتهم هواتفهم الذكية وتؤثر على جودة عملهم ونوعيته. 82% من الموظفين قالوا إن هواتفهم الذكية تبقى بالقرب من أعينهم وقت العمل، وتحدثوا عن سهولة الخلط بين العمل والأمور الشخصية بلمسة على الهاتف ثم الغرق في شؤون لا علاقة لها بعملهم.
مهما كانت سلبياتها، فإن إقبال العالم يرتفع على الأجهزة الذكية مع ظهور أنواع منخفضة السعر وقدرة شرائح كبيرة جديدة من الدول النامية على شرائها، وبحلول عام 2020 من المقدر أن يصل عدد مستخدمي الأجهزة الذكية إلى قرابة الثلاثة مليارات شخص.
وسط هذا الرقم الهائل هناك شريحة صغيرة جداً قررت العودة للوراء وتخفيف صخب الحياة وتقليل التعرض للقصف المعلوماتي طوال اليوم. هؤلاء قلة لكن تجربتهم مثيرة للاهتمام.
قرأت مرة لكاتب يتحدث عن تخلصه من هاتفه الذكي بعد أن فقد القدرة على التركيز في الكتابة. في فبراير الماضي نشرت صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية عن عودة البعض للهواتف المحمولة «غير الذكية» ذات إمكانات الاتصال الأساسية فقط، للتقليل من تأثير التقنيات على حياتهم. من بين أولئك الأشخاص الممثل البريطاني إيدي ريدماين الذي ذكر أن عودته للهاتف البسيط هو ردة فعل على التصاقه الدائم بهاتفه الذكي.
من خاضوا تجربة العودة للهواتف البسيطة كتبوا في مواقعهم على الإنترنت عن إيجابيات يمكن تلخيصها في القدرة على التركيز في العمل بشكل أفضل، وتحسن النوم، وتطور العلاقات الأسرية وقضاء وقت أكثر مع الأطفال. رغم ذلك يستحيل على الغالبية العودة للوراء إلى الهواتف البسيطة فليس من السهل الاستغناء عن الخيارات اللامحدودة التي تتيحها الأجهزة الذكية حتى إن حولتنا لأشخاص قليلي الذكاء والإنتاجية، مكتئبين، مصابين بالأرق وعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية مضطربة!