الإعلام القطري يعبر بشكل صادق جداً عما يفكر فيه نظامه، وحين يهين ويستهزئ هذا الإعلام «بمجلس التعاون» فذلك يعني أن هذه هي فعلاً رؤية النظام القطري لهذا المجلس، نقلها الإعلام بكل أمانة وصدق.

حمد بن خليفة منذ تولى الحكم نسف تماماً الأسس والقيم والمبادئ التي بنى جيل القادة المؤسس عليها المجلس، فالآباء المؤسسون -ولم يبقَ منهم سوى الشيخ صباح الأحمد وقد كان وزيراً للخارجية حين ذاك- وضعوا حجر الأساس لبيت يظلل ويحمي الأعضاء، مجلس يضم داخله تلك الدول يحتضنهم ليصونهم ويحميهم ويوفر لها الأمن والاستقرار، ووضع نظاماً أساسياً ولائحة داخلية، يلتزم بها الأعضاء الستة بلا استثناء.

وبغض النظر عن طبيعة أي رباط جماعي مجلساً كان للتعاون أو حتى شركة، سواء كان هذا الرباط عقداً اجتماعياً لمجموعة من البشر داخل وطن واحد أي دستور، أو كان هذا الرباط عقداً واتفاقية لشركة تضم مجموعة مساهمين، أو كان هذا الرباط مجموعة دول، فإن المسلم به والبديهي أن العضو في تلك المجموعة يسلم جزءاً من سيادته للنظام الجامع، مقابل توفير الأمن والعدل بين جميع الأعضاء.

على قطر التي تتحجج بأنها ليست ملزمة بما يتم التعهد عليه والتعاقد عليه والاتفاق عليه أن تعي أن الفرد في وطنه يتنازل عن جزء من حريته للدولة وللنظام والقانون فيها، مقابل أن تحميه الدولة، هذه مسلمة وألف باء في علم الاجتماع السياسي وحقيقة توصل لها فلاسفة ومفكرو الأوائل الذي بحثوا في تطور البشرية وكيف توصلت إلى بناء الدول، فليست هناك حرية مطلقة لأي فرد، فإن وضعت الدولة قانوناً على الجميع الالتزام به، فإن وضعت إشارة ضوئية للمرور حمراء فعليك أن تقف ليمر غيرك، ولا يحق لك أن تتحجج بحريتك وبسيادة قراراتك، هذه الفلسفة البسيطة تقاس على جميع أنواع الروابط الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية بما فيها الاتحادات والمجالس النوعية.

خذ مثالاً آخر حلف الناتو، وهو حلف بين دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، لا بد له من قيادة واحدة، وعلى جميع الأعضاء وهم دول مستقلة بل هم قوى عظمى في مقاييس التسلح، وجيوشها تعد من أقوى الجيوش في العالم، إنما تخضع في عملياتها العسكرية لقائد من إحدى تلك الدول، أي أنها مجبرة على التنازل عن بعض سيادتها للنظام وللرابط الجماعي الذي هي عضو فيه، وهكذا تسير الأمور في الاتحادات الدولية كلها، ليس هناك اتحاد يقرر فيه عضو أن يسير بلا ضوابط وبلا التزام وبأن حريته مطلقة، بحجة الاستقلال والسيادة.

وليت الأمر اقتصر على مخالفة للأنظمة والقوانين والنكوص بالتعهدات إنما وصل الأمر إلى أن يتآمر عضو في مجلس تعاوني على اغتيال رئيس دولة أخرى، ويتآمر على إسقاط نظام الحكم في دولة ثانية ويؤوي إرهابيين يهددون دولة ثالثة؟ تلك جرائم حرب بمعنى الكلمة كيف يمكن لهذا العضو أن يستمر في عضويته؟

هذا المجلس عزيز علينا ولا نريد أن نفرط فيه، ومن أجله دفعت البحرين ثمناً غالياً حين سكتت وصمتت وأخفت آلامها على مدى العشرين عاماً الماضية، وهي ترى هذا الضلوع بالطعن وهذا الإصرار بالغدر، وفي كل سنة تكرر شكواها أحياناً مباشرة مع قطر نفسها فلا يكون الرد إلا بالاستخفاف بالمشكلة وبالادعاء بالبراءة وبنكران الذنب وأحياناً أخرى تكرر شكواها للأعضاء وما تسمع غير «خشمك لو عوي».

ذلك ثمن ليس بسيطاً لقد غذت قطر ومولت وساعدت ودعمت كل من ادعى المعارضة أو مارس الإرهاب ضد البحرين، وأبقت البحرين ألمها طي الكتمان وصبرت من أجل هذا المجلس، ألا يحق لها الآن أن تضع بقية الأعضاء أمام مسؤوليتهم كي يواجهوا هذا العضو بحقيقته التي يعرفونها؟

الحفاظ على تماسك المجلس مسؤولية جماعية لا فردية، كل عضو من الأعضاء الأربعة الباقين السعودية والإمارات والكويت وعمان عليهم مسؤولية الحفاظ على تماسك المجلس وقد نصحو البحرين طوال السنوات السابقة بالصبر والاستمرار، إلى أن جاء اليوم الذي أعلنت الدول الثلاث المتضررة من قطر قرار المقاطعة، وجاء وقت استحقاق مجلس التعاون كمؤسسة جامعة.

قرار السعودية والإمارات معروف ماذا عن قرار الكويت وعمان؟ ما هي النصيحة أو الرأي في كيفية الحفاظ على مجلس أحد أعضائه تآمر على اغتيال عضو آخر وعلى إسقاط نظام آخر؟ هل نصيحتهم باستمرار ما يسمى «حوار» وقد استمر 20 عاماً وفشل؟.. سؤال مطروح مهما أجلتموه سيطفح على السطح عاجلاً أم آجلاً إن لم يكن في ديسمبر فإنه سيطرح في يونيو القادم!!