مثلما هو الحال في كل عام تكثر الدعوات إلى التهدئة و«تبريد الساحة» كلما اقترب شهر رمضان المبارك حيث تصفو النفوس وتكون أكثر استعداداً للتجاوب، وهذا أمر طيب دونما شك، ولكن مثلما هو الحال في كل عام لا تجد تلك الدعوات الطيبة الاستجابة المأمولة فلا يتحقق منها شيء على أرض الواقع حتى لتبدو وكأنها صارت عادة سنوية يحرص مطلقوها على عدم غيابها. أما السبب فهو أن من كانوا السبب وراء كل الذي جرى على البحرين قبل سبع سنوات وأدخلوا الناس في متاهة لايزالون دون القدرة على استيعاب التطورات والتغيرات في المنطقة ولايزالون بعيدين عن العمل السياسي الذي يتطلب أموراً من الواضح أنهم لا يدركونها وإلا لتم التوصل إلى النهاية التي ينتظرها الجميع منذ سنوات.

هذا يعني باختصار أن الحكومة ليست السبب وراء عدم تحقق تلك الدعوات الطيبة التي تسبق حلول الشهر الكريم ولكن السبب هو أولئك الذين أقحموا أنفسهم في عالم السياسة وأوهموا أنفسهم والناس بأن تغيير النظام أمر سهل يسير واعتقدوا أن من وعدهم بالمساعدة على ذلك ومساندتهم قادر على تحقيق كل ما يريدون.

على مدى السنوات السبع الماضية أثبتت حكومة البحرين أنها مرنة وأنها على استعداد لتقديم الكثير من التنازلات من أجل شعب البحرين ومستقبل البحرين، وهذا أمر لا ينكره إلا جاحد أو عديم القدرة على استيعاب الأمور، وعلى هذا يتوفر الكثير من الأدلة والبراهين، بل إن الحكومة إلى الآن على استعداد لتقديم كل ما يعود بالنفع والخير على هذا الشعب.

هذا يدفع إلى القول بأن المشكلة تتلخص في عدم تكافؤ الطرفين ذوي العلاقة بالمشكلة، ففي الوقت الذي يتوفر فيه حكومة تمتاز بالمرونة وتقبل بتقديم كل تنازل يؤدي إلى رضا الشعب ويحميه ممن يريد به السوء، يشغل الجانب الآخر من لا «مريال» له في عالم السياسة وينفذ ما يطلبه منه الأجنبي الذي يسعى إلى مصالحه فيقول «لا» حيث ينبغي أن يقول «نعم» لو أنه كان يحرص بالفعل على مصلحة الناس الذين يقول إنه «ثار» من أجلهم ويعمل لمصلحتهم ويدافع عن حقوقهم.

هذا العام أيضاً ستنتهي الدعوات الخيرة الآمل أصحابها تهدئة الأمور والتي تسبق شهر رمضان إلى لا شيء، فالعناد الذي هو سمة أولئك وعدم قدرتهم على استيعاب الأمور وإدراك التطورات والتغيرات المحلية والإقليمية والدولية من شأنه أن يفشل كل دعوة خيرة وكل تحرك ينتظره الناس. هنا يبرز السؤال عن دور الشخصيات الوطنية التي يفترض ألا يغيب دورها أياً كانت الأسباب، ويبرز السؤال أيضاً عن دور الجمعيات السياسية التي اكتسبت تجربة ولها «باع» في العمل السياسي، وكذلك يبرز السؤال عن دور أولئك الذين من المؤسف أنهم لايزالون على الحياد وكأن الأمر لا يعنيهم أو أن ما جرى ويجري ليس ساحته البحرين.

بالنسبة لهؤلاء جميعاً لا يكفي قيامهم بالدعوة إلى إيجاد حل للمشكلة، فهذا واجب يمكن أن يقوم به الجميع، وإنما عليهم التحرك وفعل شيء ينتج قرارات موجبة تصب في صالح هذا الشعب وهذا الوطن، أي أن مسؤوليتهم كبيرة وإلا فإنهم لا يستحقون أن ينتسبوا إلى الشخصيات الوطنية، فهذه الشخصيات تكتسب هذه الصفة نتيجة فعلها وليس نتيجة متابعتها ومراقبتها للأحداث وتطوراتها أو التعبير عن أملها في التوصل إلى نهاية سعيدة.

مؤسف أن يكون هذا هو مصير دعوات التهدئة التي تسبق شهر رمضان المبارك في كل عام، ومؤسف أن يكتفي من يؤمل أن يكون لهم دور في التوصل إلى حل للمشكلة بإطلاق هذه الدعوات واعتبار أن ما قاموا به هو الواجب الوطني الذي عليهم القيام به.