قبل 10 أيام طالعتنا وسائل الإعلام بخبر مفاده أن البحرين الرابعة عربياً في مؤشر التنافسية في العالم العربي لعام 2018، في تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي ومجموعة البنك الدولي، وكان ذلك وفقاً لعدة معايير من بينها تمتع البحرين ببنية تحتية حديثة، وبيئة عمل مواتية للأعمال ضمن إطار مؤسسي جيد، والجاهزية التكنولوجية، فضلاً عن تحسين مستويات الابتكار والتعليم العالي والتدريب.

ومن منطلق مراقبة الواقع في الداخل البحريني على مستوى الأفراد مهنياً، فيبدو لي أننا في حالة من التراجع في الروح التنافسية لدى المواطنين في ظل تصاعد التحديات، إذ أصبح المواطن الموظف يلعب لعبة الكراسي على الترقيات والفرص الوظيفية رغم حلول موعد استحقاقه لها أو مضي ذلك بسنوات ورغم ما يتمتع به من كفاءة عالية ومؤهلات تتناسب مع مستوى الوظيفة وتزيد عنها في أغلب الأحيان. هل جربت أن تلعب مع عشرين لاعباً آخرين على كرسي واحد أيكما يحظى به، وإذ بك تصعق في بعض الأحيان أن الشخص الثاني والعشرين قد نزل تواً من حيث لا تحتسب لينال فرصتك والآخرين فيخرجكم من اللعبة جميعاً كمن «يخرج من المولد بلا حمص»؟!! عن إزهاق روح التنافسية نتحدث.

هل جربت أن تخطئ يوماً في عملك أو تقصر لسبب اضطراري ما بعد تاريخ مشرف من الإنجاز والتميز، لتدرك كيف أن قانون العصا في بلادنا مفتوح العينين غليظ القلب، بينما تفتش عن قانون الجزرة في الأروقة التنفيذية فتجده «يسمع حسك» حتى إن ملفاته ضاعت من أرشيف مؤسساتنا لتغييبه وتهميشه وعدم الاقتراب منه لسنوات طوال باسم التقشف، وبينما التقشف يسلبك حقك في المكافأة والتقدير، لا يغفل أن يغذي جيبه من أخطائك بخصومات متفرقة بعضها مباشرة من الراتب وأخرى بطرق غير مباشرة على هيئة مخالفات مرورية وبلدية ورسوم مبالغ فيها لخدمات حق للمواطن أن يحصل عليها مجانية. ومن خلال مساواتك بالمقيم والسائح في أسعار السوق بكل تفصيلاتها حتى لا يكون لك ميزة تذكر ليس بصفتك مواطناً وحسب، بل حتى لكونك عاملاً يسيل عرقه طوال اليوم ليجد ما يكفيه لقوت يومه.

هل جربت أن تطور نفسك أكاديمياً، ثم تعكف على حضور ورش العمل والدورات التدريبية ذات الأجر والمجانية على السواء، وأن تجمع شهاداتك الاحترافية حتى يثقل حمل ملف شهاداتك، وأن ترفع من رصيد خبراتك وإسهاماتك الأهلية في مؤسسات متفرقة، وأن تسطر إنجازاتك بساعديك وبكل ما أوتيت من قوة، ثم تأمل أن تجد ما يكافئ بعضاً من ذلك في ترقيتك مهنياً، فتجد مسؤولياتك تتعاظم وتتضخم بحسب إمكانياتك الجديدة التي صنعتها بنفسك دون مساعدة أحدهم بينما مازلت مركوناً على سلمك الوظيفي السابق دون تبديل أو تغيير أو دفعة صغيرة حتى للأمام، بل إنك تلقى نفسك فجأة في حالة من التهميش أو الإقصاء لأنك بت تشكل خطراً على آخرين، وكأن التنافسية قد أخذتك بالاعتبار يوماً، بل إنك تجد نفسك ملقى وسط حرب لا ناقة لك فيها ولا جمل، فقط لأنك قررت تطوير نفسك وأن تصنع لك اسماً في مجال ما أو تحظى بظهور أو تميز.

* اختلاج النبض:

عن التنافسية نتحدث.. فما هو مستوى التنافسية بين المواطنين إذا كانت الواسطة أعظم سيرة ذاتية يمكنك أن تحظى بها يوماً، وإذا كانت مؤهلاتك وإسهاماتك كلها إنما هي أسلحة الآخرين ضدك، وإذا كانت العصا معلقة على مدخل مؤسستك بينما أحكمت الأقفال على الجزرة حتى تعفنت، وإذا كان تدمير روحك المعنوية العالية وحبك للعطاء الشغل الشاغل لدى أغلب الموظفين والمسؤولين في أغلب مؤسساتنا إن لم يكن جميعها ولا أبالغ، بل ربما وظيفتهم الأساسية.