إن مفتاح تطوّر الشعوب وتقدّمها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقراءة، فهي التي تفتح بصيرة الأمم نحو التطلع والمنافسة والتقدم.. وإن إنجاز العرب وبناء حضارتهم وتاريخهم العريق، والذي جعلهم في حقبة من الزمن.. مركزاً فكرياً، وسياسياً وعلمياً، وثقافياً وتجارياً واقتصادياً.. قد بدأ بكلمة اقرأ!!

في تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي.. أعلنت من خلاله أثناء دراسة مقارنة بين الدول العربية ودول الغرب أرقاماً نخجل من ذكرها، سواء كانت في متوسط قراءة الفرد العربي، أو عدد الكتب المترجمة، أو إصدارات العالم العربي، أو الكتب الإلكترونية التي جاءت بنتائج أشد ألماً.. حيث تصل مبيعات بعض الكتب الإلكترونية بدول الغرب إلى أكثر من أربعين ألف نسخة في أقل من يوم واحد.. بينما تبلغ عندنا نسباً لا تذكر. وإن تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» جاء مبيّناً أن سبعين مليون عربي مازالوا أميين.. وأن ثلث هذا العدد من النساء والأطفال.. في حين أن اليابان قضت على الأمية منذ القرن التاسع عشر!!

كل من يذهب إلى دول الغرب يرى كيف تكون مكتباتهم مركزاً للفكر لطالبي العلم والثقافة.. وكيف يتهافتون على الكتب من مختلف الأعمار كخلايا نحل.. لما يوفرونه لطالب المعرفة من تسهيلات، سواء في أنشطتهم الاجتماعية أو أنديتهم الثقافية أو أنظمتهم في استعارة الكتب لعدة أسابيع بدون شروط!!

ما الذي حدث لنا؟؟!! هل نحتاج إلى انتفاضة حقيقية في عالم القراءة والكتاب والقلم لننهض من جديد؟؟!! هل يجب أن يكون التركيز على أطفالنا ليصبحوا جيلاً يقرأ!!

إن السنوات الأولى من عمر الطفل تحدد علاقته بالكتاب والقراءة مدى الحياة.. والذي يحدد ذكاء طفلك وكيفية تكوين الدماغ ليست الجينات الوراثية فقط، وإنما الأحداث التي يعايشها والتجارب المبكرة والمواقف.. والجدير بالذكر أنه من خلال تقنية تصوير الدماغ الحديثة تبيّن خلال ثوان فقط من بداية قراءة الطفل اندفاع آلاف من الخلايا الدماغية للعمل.. إلى جانب أن الطفل يكوّن 80 ٪؜ من قيمه وسلوكه وولائه، وما يخافه ويخشاه في السنوات السبع الأولى من حياته. إذاً هذه هي الفترة الحرجة والخطيرة والحاسمة التي من خلالها نرسم لأبنائنا حياتهم المستقبلية!

إن القراءة في مرحلة الطفولة وما قبل المدرسة تبني علاقة وطيدة بين الطفل ووالديه.. وتنسج لديه خيوط القدرة على الإنصات والتحليل والتركيز.. وتصبح القراءة لديه عادة محببة، وليس فرضاً.. كذلك أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين حُثوا على القراءة منذ طفولتهم حققوا تفوقاً أكاديمياً استمر معهم حتى المرحلة الجامعية والعملية.

كلنا نسعى لتربية أبنائنا ليصبحوا متفوقين وناجحين وأذكياء.. ونختار لهم أفضل المدارس والجامعات.. ولكننا نغفل عن أهم عادة لتحقيق ما نريده لهم.. وهي أن نجعل القراءة والكتاب جزءاً لا يتجزأ من كيانهم وأسلوباً لحياتهم.. ولا نغفل أن قراءة أطفالنا لا تبدأ إلا من خلال قراءاتنا.. فهل سألت نفسك خلال سنة مضت من عمرك، وبصوت صدى الكتاب المهجور فوق الرفوف كم كتاباً قرأت؟ وماذا قرأت؟

إن تعزيز عادة القراءة في الأبناء لا تأتي إلا إذا بدأ بها الآباء.. حيث أنهم يبدؤون ويتعلمون مما يرونه داخل بيئة أسرهم، التي ينشؤون، ويكبرون، ويتربون فيها.

إنني أؤمن بأننا إذا نجحنا في تكوين جيل محب.. عاشق للقراءة والكتاب.. فإننا رسمنا لهم خارطة كنْز المعرفة.. وهذا ليس بالأمر الهين.. حيث يتطلب جهداً كبيراً من حيث توعية ومتابعة هذا الجيل. فعلى الرغم من توفر التسهيلات الكافية لاقتناء الكتاب والمعرفة.. إلا أنه جيل يختلف في اهتماماته.. يسيطر على كيانه وسلوكه الأجهزة الذكية، والألعاب الإلكترونية.. فالتطور التكنولوجي جميل.. ولكن الأجمل أن نستخدمه بطريقة معتدلة إيجابية.

نعم.. نحن قد نكون بحاجة إلى الرجوع لعادات الجيل السابق الذي كان متمسكاً بالقراءة والكتاب.. نحتاج إلى مبادرات، ومشاريع، ومسابقات تشجع على القراءة، سواء للأطفال أو الكبار.. فإذا أردنا أن ننهض من جديد.. فليس لنا من سبيل إلا أن نعود إلى أول كلمة هُمس بها في الغار من رسول السماء إلى رسول الأرض.. فحقاً ليس هناك جليس أجمل وأنفع من كتاب.