لقد جاء مفهوم التوازن المالي ضمن مفاهيم علم المالية العامة ويقصد به التساوي بين الإيرادات العامة والنفقات العامة، وعلم المالية هو ذلك العلم الذي يقوم بدراسة النفقات والإيرادات العامة واعتباراً لكون علم المالية العامة هو فرع من فروع علم الاقتصاد فكلاهما يهتم بدراسة النشاط المالي والاقتصادي للدولة فعلم الاقتصاد يدرس كيفية توزيع الموارد المتاحة بين الاستخدامات بهدف إشباع الحاجات الإنسانية بينما يقوم علم المالية العامة بدراسة النشاط المالي للدولة وعليه فإن مفهوم التوازن المالي مرتبط أشد الارتباط بالتوازن الاقتصادي، فبرنامج التوازن المالي يقوم على مبدأ أساسي مضمونه أن التمويل الدائم يجب أن يفوق أو يساوي مجموع الاستثمارات مضافا إليها جزء من احتياجات دورة الاستغلال مع مراعاة المخاطر المستقبلية الناجمة عن انخفاض قيمة بعض الأصول المتداولة، فمضمون التوازن المالي يكمن في التوازن بين جانبي الميزانية العامة للدولة وذلك باتباع سياسة مالية معينة تقوم بها السلطة المالية المختصة في الدولة عند وجود تباين بين حجم النفقات العامة وحصيلة إيرادات الدولة وذلك بتعديل أحد جانبي الميزانية بغرض خلق التوازن بينهما، أي تعادل النفقات مع الإيرادات. وقد اختلفت النظرة إلى هذا التوازن حيث كانت في الماضي نظرة حسابية بحتة ذلك أن جملة الإيرادات كان يجب أن تساوي بالضبط جملة النفقات دون أن يكون هناك أي عجز أو فائض ومن ثم لم يعد ينظر إلى التوازن إلا في حدود التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام وأثبتت التجارب أنه ليس سهلا الوصول إلى التوازن المالي في أي بلد كان وعلى مر العصور لجأت الحكومات إلى الحصول على موارد مالية من خلال فرض ضرائب على القادرين على الدفع وكذا البحث عن أوجه إنفاق لهذه الموارد. فحتى البلدان الأكثر تقدما لم تصل في تاريخها الحديث إلى هذا المستوى الاقتصادي المثالي، بعضها مدين بمرتين أكثر من إجمالي الدخل، لكن الخطوات التي اتخذتها البحرين تكتسب أهمية كبيرة لأنها لم تأتي من نطاق رد الفعل بقدر ما هي في صلب صناعة اقتصاد وطني جديد أسهمت التطورات الأخيرة في دفع الآليات نحوه، رغم ما تعرضت له من تراجع كبير في إيراداتها على مدى أكثر من ثلاثة أعوام. وفي الحقيقة تسير البحرين على كل القطاعات الاقتصادية وفق رؤية استراتيجية وليست آنية بما في ذلك النفط والقطاعات المختلفة الأخرى ويكون التوازن المالي الهدف الركيزة في الحراك التنموي الراهن وهذا يدفع أيضا إلى التركيز على مصادر الدخل المتنوعة من استثمارات ودعم القطاع الخاص بصورة تنموية واستغلال الإمكانات الاقتصادية والمالية التي تتمتع بها البحرين بما فيها السياحة والخدمات الاقتصادية والتجارية وإعادة التصدير وغيرها وكل هذا إضافة إلى عديد من القطاعات الأخرى يجعل من عملية الوصول إلى التوازن المالي أسرع وأكثر يسرا ولا سيما أن القائمين على عملية التوازن المالي البحريني لم يحددوا الأطر اللازمة للاستراتيجية الاقتصادية الشاملة فحسب، بل وضعوا محطات زمنية لكل القطاعات الحكومية لتلبي معايير التوازن المالي في الإنفاق وترشيده إلى جانب طبعا الحفاظ على الأداء الحكومي في أعلى درجة له لأنه في هذه المرحلة لا يزال المحرك الرئيس لكل الاقتصاد ولكي يتم الحفاظ على التوازن المالي هناك تدابير وسبل لعقلنة الأموال العامة يتعين اتخاذها لأجل تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومن هذه السبل ترشيد النفقات العامة مما يعني اتخاذ مجموعة من التدابير من أجل تأهيل النفقة العامة للقيام بتحقيق المنفعة العامة بأقل التكاليف وأعلى جودة للسلع والخدمات مما يؤدي إلى رفع مردودية النفقات العامة، ولترشيد النفقات دور مهم في إحداث التوازن المالي وبالتالي التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام وذلك لما لهذه النفقات من آثار اقتصادية على الإنتاج والأسعار والاستهلاك وآثار اجتماعية على التشغيل وإعادة توزيع الدخل حيث لم تعد النفقة العامة مقصورة على تمويل الوظائف التقليدية بل تستخدم للتأثير في الاستهلاك والادخار والاستثمار قصد الوصول إلى التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام. كما أصبحت القروض مصدرا هاما من المصادر اللازمة لتمويل مشاريع التنمية وتنشيط الحركة الاقتصادية كذلك للوصول إلى التوازن الاقتصادي والاجتماعي العام، فالإصلاحات القادمة ستتبنى العمل على تطبيق زيادة أسعار الطاقة والكهرباء وغيرها على مراحل وصولاً إلى مواكبة أسعار السوق العالمية ومنها إصلاح أسعار المنتجات التي لا تستدعي إجراء تغييرات في البنية التحتية حيث يسعى برنامج التوازن المالي من خلال خطة تسلسلية لاستيعاب التأثيرات على القطاعين الاقتصادي والصناعي من خلال التضخم المالي والناتج المحلي الإجمالي والبطالة وكذلك قدرة القطاعات على تحقيق الكفاءة والإنتاجية المطلوبة، وما أعلن عن برنامج توفير الدعم لذوي الدخل المنخفض والمتوسط وذلك في ظل الترقب للعديد من الإصلاحات القوية التي تستوجب إجراءات تقشفية فعلية مثل تحرير أسعار وخصخصة بعض الخدمات وذلك في ظل توجه حكومي وفي مسعى لتعويض المواطنين المتضررين من سياسة الترشيد، فخطة التوازن المالي تتضمن برنامجاً لتوفير الدعم المالي النقدي لذوي الدخل المنخفض والمتوسط وبالتالي فإن الطموح بحلول عام 2020 ربما قبل حيث تشير التوقعات إلى أن تثمر عملية الإصلاح عن وفورات ماليه مع نهاية العام 2020.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية