في بداية هذا العام وتحديداً في الأول من شهر فبراير كنا قد نشرنا مقال في عمودنا «إشراقة»، نقرع فيه جرساً لتجنب الخسائر قبل وقوعها، كان المقال بعنوان «البيت العود يتحول لسكن عزاب»، حيث تحدثنا عن مساكن العزاب الجماعية، وحذرنا من عدم اهتمامهم باشتراطات السلامة في تلك المنازل، واليوم نحن أمام حدث هز مشاعر أهل البحرين والمقيمين فيها في مشهد مؤلم تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، إنه حدث وفاة عمال وسقوط جرحى نتيجة انهيار مبني بمنطقة السلمانية، المصابون من الرجال الذين تحملوا الغربة طلبا للرزق، تركوا أوطانهم بحثاً على لقمة العيش وتأمين عيشة كريمة لأهاليهم، إن هذا الحادث الأليم والذي وقع نتيجة تسرب في إحدى إسطوانات الغاز، أدى إلى انفجار، نتج عنه انهيار المبنى، ما هو إلا جرس إنذار للانتباه لقضية سكن العزاب التي تمثل عوامل خطورة كبيرة بما تحتويه تلك التجمعات من مخالفات وغياب لأنظمة الأمن والسلامة وتحتاج إلى تحرك جدي من أجل سن تشريعات وإصدار قوانين من شأنها تنظيم عملية سكن العمالة الوافدة والعزاب بالمناطق السكنية، وضرورة نقل سكن العزاب الذي يفتقر إلى أبسط عوامل الأمن والسلامة بعيدا عن التجمعات السكنية فبعد حادث انهيار عقار السلمانية تأكد للجميع أن العقار بل ربما أغلب العقارات التي تستغل كسكن للعمال تفتقر إلى الرقابة الحقيقية وغياب تام لاشتراطات السلامة الأولية.

تلك المساكن يعيش فيها أكبر عدد ممكن من العمال العزاب، حيث يقوم العامل المستأجر بوضع أكبر عدد ممكن من الأسرة المتعددة الطبقات ويتم تأجير الغرفة لعدد كبير من العمال بل وتشهد في كثير من الأحيان ما يطلق عليه تأجير السرير الواحد بحيث يدفع العامل الوافد الأموال مقابل الحصول على عدد معين من الساعات لاستغلال سرير واحد يشاركه فيه آخرون.

إن سكن العمال العزاب في وسط المناطق السكنية يحمل في طياته العديد من المخاطر والتي سبق وأن أوضحتها في مقالي السابق بان هذه العقارات التي تؤجر للعمال تبقى بلا مسؤول عنها فأبوابها مفتوحة باستمرار، ولا رقيب أو حسيب على من يدخلها فتكون سوقاً ذهبية لمروجي المخدرات، وبيئة مناسبة لاختفاء العمال الفارين من القانون ومرتعاً لكل أنواع الجريمة. أما المستأجر فهو المستفيد الوحيد بتحصيل الإيجارات من العمال والتي تصل إلى أضعاف أضعاف قيمة الإيجار الذي يدفعه للمؤجر صاحب العقار، ولا يأبه بما يدور في هذا المسكن حتى إنه يهمل صيانته فتكثر فيه المشاكل فيكون العقار قنبلة موقوته على لمن يسكنه وخطر على الحي بأكمله، على الرغم من الرقابة والتفتيش على مناطق سكن العمال إلا أنه يصعب التحقق من شأن وجود مخالفات قانونية ومخالفة لاشتراطات سلامة الأفراد. ورغم تكرار الشكاوى في أكثر من منطقة، ورغم تشكيل عدد من اللجان في أكثر من مناسبة بين المحافظة والجهات المعنية ربما يصعب معها رصد الملاحظات، على الرغم من أنه في حال رصد مخالفات السلامة يتم إلزام صاحب العقار بإزالة المخالفة أو إخلاء المبنى ولكن للأسف هذا لم يتحقق مع عقار السلمانية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ستتكرر هذه المأساة مرة أخرى أم ستكون الإجراءات أكثر حزماً وسيكون القانون حاداً لمنع تكرارها؟

لقد طالبت ومازلت أطالب بحل تلك المشكلة، لأن مشكلة سكن العمال مازالت مشكلة قائمة وتؤرق جفون المواطنين في عدد من مناطق البحرين، وتعتبر مشكلة سكن العمال العزاب الأجانب خاصة وسط الأحياء السكنية من القضايا الملحة والمعقدة، لقيامها على عوامل اجتماعية واقتصادية وقانونية، ولذلك لابد من حلها من خلال تضافر جهود الجهات الرسمية والأهلية، لاتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة لإنهاء هذه المشكلة في الوقت الراهن، ووضع آليات وأنظمة لعلاجها، كما يجب أن يكون للأهالي دور فاعل من خلال تعاونهم مع الجهات المعنية للحد من آثار هذه المشكلة ويجب تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وفي حال التأجير على العمال يجب الالتزام بالاشتراطات والمواصفات الصحية كما يجب أن يلزم صاحب العقار بتحديد شخص مسؤول في كل سكن جماعي عن سلامة العقار، ويتابع تطبيق اشتراطات السلامة، حتى نتجنب مثل هذه الكوارث مرة أخرى، وحتى لا يتعرض العمال أو الحي للخطر، ويمكننا الاستفادة من تجربة وزارة التربية والتعليم ونعتبرها أسوة، حيث تشترط الوزارة أن يكون هناك موظف مسؤول في كل مدرسة عن اشتراطات السلامة والأمن ويتم التفتيش بشكل مستمر ومحاسبته وإزالة أي مخالفة بشكل سريع من قبل الجهة المختصة بالوزارة، فلنستفيد من تلك التجربة، لذلك، لابد من إلزام صاحب العقار المؤجر على العزاب كسكن جماعي بتحديد مسؤول في كل مبنى عن اشتراطات الأمن والسلامة يحدد اسمه في عقد الإيجار. وأخيرا، أقولها من كل قلبي، دمتم أبناء وطني سالمين.