ولذلك فإن الخليفة الثاني الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب عندما تم فتح القدس وسافر الخليفة عمر إلى القدس بتسلم مفتاحها بناء على طلب بطريرك القدس، أجاز السماح لليهود بزيارتها. وعندما حان وقت صلاة الظهر خرج سيدنا عمر وصلى خارج الكنيسة، فقيل له لماذا لا تصلي بالداخل؟ أليست بيتاً من بيوت الله؟ قال: نعم، ولكنني خشيت أن يأتي المسلمون بعدي فيستولون عليها ويقولون إن عمر صلى هنا. والتاريخ يؤكد أن الديانات الثلاث عاش بعض أتباعها في تلك الأراضي المقدسة عبر السنين، ولذا فإنه حري بنا معشر العرب والمسلمين الاحتفاء بالذكرى المئوية للسادات، وجعل ذلك يوماً دولياً مثل الاحتفاء بغاندي الزعيم الهندي، ومانديلا زعيم جنوب أفريقيا. لقد حصل السادات على جائزة نوبل للسلام وأرسل من يتسلمها مكانه فهو إنسان عاقل متزن ولم يكن يبحث عن الجائزة بل جاءت إليه حتى عقر داره.

ونختم بما يحدث في مصر اليوم في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إذ إنه سعى منذ تولي السلطة لحل أية مشاكل تتعلق بالأقباط باعتبارهم مواطنين وعليهم مثل ما على المسلمين من واجبات ولهم مثل ما للمسلمين من حقوق، وهذا هو الإسلام الصحيح. ولعلنا نستذكر صحيفة المدينة التي وضعها النبي محمد عليه الصلاة والسلام بمثابة الدستور للدولة الإسلامية عند نشأتها فقال عن أهل المدينة من مختلف الأديان والعقائد أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وذكر بالتفصيل الفئات التي في المدينة.

وكانت معاناة المسيحيين في مصر من نصوص الخط الهمايوني الذي صدر عندما كانت مصر تحت الاحتلال العثماني وظل بلا تغيير أو تعديل وجاء الاستعمار البريطاني فنصب نفسه حامياً للأقليات في مصر وبالطبع في مقدمتها الأقباط فأساء إليهم ولم يخدمهم ثم جاء الرئيس عبدالناصر، فقام ببعض الإصلاح، ولكنه لم يحقق كل طموحات المسيحيين وجاء السادات فحدث التوتر، وهو لم يقصد معاداة المسيحيين، ولكن بعض تصريحاته أحدثت رد فعل سلبي خاصة قوله: «إنه رئيس مسلم لدولة مسلمة»، أي أنه فسر الأمر خطأ فهو رئيس مسلم لدولة مدنية في نظامها مثل دولة المدينة ودستورها وسعى للاستعانة بالمسلمين الذين أفرج عنهم ضد اليسار المصري والشيوعية، ولكن انتهى الأمر بقيام أحد هؤلاء باغتيال السادات، تصديقاً للمثل القائل اتق شر من أحسنت إليه. وجاء مبارك فلم يحقق الكثير من مطالب المسيحيين وإن سعي لإرضائهم خاصة عندما أعلن يوم 7 يناير إجازة رسمية للدولة. وجاء السيسي ليتم ما لم ينجزه من سبقوه خاصة في ملف الأقباط الذين وقفوا يداً بيد مع إخوتهم المواطنين وفي مقدمتهم قداسة البابا تواضروس ومعهم فضيلة شيخ الأزهر والقوى السياسية المتمسكة بهوية مصر المتسامحة والتي تدافع عن الحق عبر السنين، بينما كان البعض يسعى لتغيير تلك الهوية ونجح التكتل الوطني بقيادة جيش مصر البطل والقضاء والشرطة ورجال الدين مدعومين جميعا من الشعب المصري بطوائفه المختلفة. وهكذا عادت لمصر طبيعتها ومن ثم صدر القانون رقم 80 لعام 2016، ثم أصدر السيسي مرسوماً بإنشاء لجنة عليا مهمتها معالجة المشاكل الطائفية يترأسها مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب. وقامت تلك اللجنة بإقرار توفيق أوضاع 588 كنيسة ومبنى، وفي ديسمبر 2018 تم توفيق الأوضاع لعدد 88 كنيسة ومبنى آخرين، وفقاً لقواعد ثلاث هي توافر قواعد بناء المنشآت والابنية العامة والخاصة وتوافر مستلزمات السلامة الأمنية، وأخيراً الالتزام بحقوق الدولة وقواعدها. وهذه الشروط الثلاثة تنطبق على جميع المؤسسات بما في ذلك المساجد والجمعيات ومراكز الأبحاث والفكر في مصر بل والمباني الخاصة للمواطنين. وهكذا استعاد أقباط مصر حقوقهم كاملة كمواطنين ولكن تظل شكاواهم مثل شكاوى كثيرين من المسلمين أو جمعيات المجتمع المدنية التي ترغب في الخروج عن قواعد النظام في الدولة والمجتمع.

* مستشار رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات»