في الوقت الذي نعاني فيه مثل كل دول العالم من التبعات الفادحة لأزمة «كورونا» وظلالها القاتمة على الاقتصاد وبروز الحاجة الملحة أكثر من أي وقت مضى لفرملة المصروفات وسد بؤر الهدر والفساد المالي، وترتيب الأولويات، وقطع الطريق على المنتفعين والمفسدين والمبذرين، يجيئنا عوضاً عن ذلك تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية للعام 2020 محملاً بدفعة جديدة من الخيبات والمخالفات والانتهاكات للمال العام.

سبعة عشر تقريراً على مدى 17 عاماً والتقارير تترى عن آلاف مؤلفة من المخالفات والجرائم والانتهاكات التي تمس المال العام، ما سمعنا أو شهدنا اتخاذ إجراءات فعلية وحقيقية حيال واحد منها أو محاسبة ومحاكمة متورط واحد فيها أو متسبب يتيم في ذلك الهدر والفساد المالي.

17 عاماً ونحن نجد تقرير ديوان الرقابة الإدارية والمالية يتضخم عاماً إثر عام دون رادع من وطنية ولا وازع من ضمير أو إنسانية، حتى بلغ مجمل ما تم تضييعه أو ضياعه من المال العام رقماً فلكياً لو تمكنا من استرداده لاستطعنا سد الدين العام الذي بلغ حتى 31 ديسمبر 2019 نحو 13.6 مليار دينار «36 مليار دولار»، وحلحلة كثير من الملفات العالقة المؤرقة لشعب البحرين وساستها ومشرعيها وعلى رأسها البطالة والإسكان والتعليم والصحة والخدمات العامة.

17 عاماً والمال العام يزداد فتقه والمواطن محشور ومختنق، وعوضاً عن اللجوء إلى التقشف في مصروفات الوزارات والتأكد من صرف كل فلس في مكانه ومحاولة وقف الهدر المالي أو الحد منه كأضعف الإيمان إلا أننا نفاجأ بما أورده تقرير الرقابة، فمن وزارة تقوم بصرف علاوة السكن لمدرسات غير بحرينيات على الرغم من توفير سكن لهن وصرفها علاوة انتقال لموظفين على الرغم من قيامها بتوفير وسائل النقل لهم، إلى وزارة تقوم بما هو أمرّ وأدهى حيث صرفت مساعدة الدعم المالي دون وجه حق لبعض الأفراد المستثنين منه وفقاً لمذكرة مشروع الدعم المالي المعتمدة بموجب قرار مجلس الوزارء، من بينهم 5 نواب و11 عضواً بلدياً و500 من مدربي السياقة و123 من أصحاب مكاتب المحاماة!

وإزاء الطابور الطويل للباحثين عن عمل الآملين في الحصول على مصدر عيش كريم يكفيهم شر العوز والحاجة المنتظرين فتح باب لهم لخدمة وطنهم وإفادته بعلمهم وخبراتهم، إزاء ذلك نقرأ فيما نقرأ تجاوزات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مثل قبول طلبات تسجيل باحثين عن عمل على الرغم من أنهم متقاعدون عند قبول تسجيلهم، وترشيح أشخاص منهم لوظائف شاغرة، وحصول بعضهم على تلك الوظائف.. أما العاطلون فعلاً عن عمل فلهم الله.. ولا أحد سواه!!

في خضم ذلك كله، لا عجب إن ضاع المواطن بين مطرقة الحاجة وسندان «قلة الحيلة»، وعام 2020 الذي أرانا العجائب والغرائب لا غرو أن نرى فيه أيضاً مثل هذا التقرير الذي يكشف عن مخالفات غريبة وعجيبة على سياق ما ذكرناه آنفاً.

* سانحة:

التقارير السبعة عشر تؤكد بما لا ريب فيه حاجتنا الماسة والشديدة لاستنساخ تجربة «الريتز كارلتون» وإنني على يقين بأن المتحصل من تجربة مماثلة بإمكانه أن يفعل الكثير، فإلى جانب تحريك المياه الراكدة تحت أقدام المتورطين بتلك المخالفات فإنه سيحرك أيضاً كثيراً من الملفات السياسية والخدماتية العالقة.