العوامل التي تضعف المجتمعات وتمزق وحدتها وتبدد آمالها وتطلعاتها كثيرةٌ ومتنوعة، ومن أخطرِها تلك التي تُزهق الأرواح أو تهدم البيوت على ساكنيها، بَيْدَ أنَّ الأشد منها فتكاً ما تصل إلى القلوب، وتغير القناعات، وتؤثر في الأفكار، وتَقلِب المفاهيم؛ فإنّ الإنسان إنما ينطلق في تصرفاته من اعتقاداته الداخلية وقناعاته الشخصية، وفي زمن قد يشيع فيه الترقب من المستقبل؛ خوفاً أو أملاً بما يحمله إليهم من شر أو خير، تكثر الأخبار والمعلومات المغلوطة، ويسارع الناس في نشرها وتناقلها فيما بينهم بالشائعة الكاذبة التي جعلت الحق في - نظر البعض - باطلاً والباطل حقاً.

وهذا واقع اليوم ومشاهد، ومع هذه الجائحة وسرعة انتشارها يلمَس كل واحدٍ منا كيف تُنقل الأخبار وتتداول، وتَنتشِر، فتجد الكلمة أو الصورة أو المقطع المرئي أو الصوتي يصل كل بيت، ويدخل هواتفنا دون استئذان، وبخاصة عبر المجموعات أو الرسائل الجماعية في وسائل التواصل الاجتماعي، وعليه يَبني بعض الناس حكمهم، أو يتفاعلوا بمشاعرهم مع ما وصلهم سروراً كاذباً، أو حزناً مرهقاً، أو خوفاً مؤثراً.

إن الشائعة قد تكون اجتماعية، تتعلق بالناس وأخلاقهم، فتقطع علاقات، وتتسبب في طلاقٍ ومشكلات، وقد تكون اقتصاديةً، فتؤثر على التجارة والمعاملات، وقد تكون مجتمعية، تتعلق بأمن الناس وسلامتهم؛ فتثير البلبلة وتفرق الصف، وتضعف التزام المجتمع بالقرارات، وكلما كان تأثير الشائعة أعمّ، كان خطرها أعظم.

ولخطورة الشائعة وفتكها بالأفراد والمجتمعات، حذرت منها الشريعة، وعددت مخاطرها، وبينت طرق التعامل معها، فإنها - أولاً - من جنس الكذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكلِّ ما سمع"، رواه مسلم.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إما أن يتكلم بخير أو يصمت فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".

ثانياً: وفي تاريخ هذه الأمة انتشرت شائعات كثيرة كان لها نتائج سلبية؛ فقد أشيع عنِ النبي صلى الله عليه وسلم - خصوصاً في بداية دعوته - بعض الأوصاف التي لا تليق به، وصدّت مَن صدّت عن اتباع الحق، وقد أشيع في غزوة أحد قَتْلُه - فداه أبي وأمي -، وكان لذلك أثره على نفسية المقاتلين، وفتّ في عَضُد كثير من المسلمين، وقد أشيع في زوجته أم المؤمنين الطاهرة العفيفة ما ليس فيها، ولكنَّ الصادقين المؤمنين تجاوزوا ذلك ولم يتأثروا به، ومَن تأثر ندِم وتابَ من فعلته.

في زمن تكثر فيه الشائعات، قد نتساءل: ما هي أفضل الطرق للتعامل معها؟

ينبغي لِمَن تصله شائعةٌ ما التأكد - أولاً - من كل خبر يصل إليه، والنظر فيه جيداً، وتقييمه بميزان العقل الصحيح، فإنَّ الشائعة - غالباً - لا تخلو مما يفيد ضعفها وعوارها؛ لذلك وصف الله تعالى مَن نَشرَ خبر حادثة الإفك بأنه قد تلقاه بسمعه ولم يفكر فيه بعقله، وهذا تصوير قرآني جميل، قال تعالى: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" "سورة النور: الآية 15".

ثم التَبيُّن والتثبت من الخبر، بإرساله إلى أهل الاختصاص واستشارتهم، في صحته، ثم المصلحة في نشر هذا الخبر أو تلك المعلومة، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" "سورة الحجرات: الآية 6"، فإن تَبين كذبُها، أو لم يكن من المصلحة تداولها فينبغي وَأْدها في مكانها وعدم نشرها.

قد يقول قائل: كل هذه الخطوات، طويلة وشاقة، فيقال: وأيهم أشق عليك، أثمها وما يترتب عليها من ضرر أم متعة زائلة وتواصل موهوم؟! فلا تبادرْ أحدنا بنشر كل ما يصل إليك؛ فقد يكون مُصدِرُها الأول قاصداً الإضرارَ بمصلحة المجتمع والأفراد، والانتقامَ منهم، أو إثارة الفتنة والأفكار الخبيثة الهدَّامة، فنكون مع غفلة منا أداةً من أدواته، فكم نشر أناسٌ خبراً مكذوباً بين الناس ثم تبين زَيفُه وبطلانه.

فمنذ أيام تلقيت رسالةً، ورد في مطلعها: يقول أحد الخبراء الفرنسيين كذا وكذا، فأرسلت إليه: ما اسم الخبير؟ فقال: بحثت عنه ولم أجده! وبعدها أُرسِلت إليَّ عدة مقاطع تُظهرُ ازدحام الناس في بعض المناطق مخالفين بذلك قواعد الإجراءات الاحترازية هذه الأيام، فتبين أنها قديمة، ووصلني خبرٌ عن اعتماد لَقاح - بفتح اللام - في بلدٍ ثم تبيّن أنّ الكلام غير دقيق، ولم يُذكر قائلُه، وبعده مقطع لشخص يدَّعي بأنه طبيب ولم أجد في كلامه أساساً علمياً مُقنِعاً، وغير ذلك من الادعاءات والافتراءات الباطلة.

من أجل أن لا تكون سبباً في الشر أو مشاركاً فيه، أرْجعِ الأمرَ لأهل الاختصاص، وهم - اليوم - الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا، الذين يبذلون جهوداً مشكورةً في القيام بواجبهم وفي بيان الحقائق وتوضيحها وضوحاً شافياً عبر قنواتٍ مختلفةٍ ولقاءاتٍ متعاقبة.ً