تمر في هذه الأيام الذكرى السادسة لرحيل الفنان العبقري نور الشريف الذي لم يكن فناناً بالمقاييس الاعتيادية، بل كان فناناً بدرجة مُفكر. يعتبر نور الشريف من أكثر الفنانين ثقافة موسوعية ليس فقط على الصعيد الفني، بل كان واسع الاطلاع وصاحب كلمة ورأي، تستمتع بمقابلاته وأحاديثه الإعلامية بنفس الدرجة التي تستمتع بها حين تشاهد فنه، كان متبحراً في القضايا التاريخية والشؤون السياسية والاجتماعية، وكان مرجعاً لزملائه الفنانين، وصاحب أكبر مكتبة بيتية تضم الآلاف من الكتب التي تبرعت بها مؤخراً أسرته لمكتبة الإسكندرية.

لم تكن رحلته في عالم الفن سهلة بل كانت شاقة ومتعبة، طوّر موهبته واجتهد ليصل إلى القمة وإلى مرحلة متفردة من النضج الذي يستند إلى خلفية واسعة وعميقة ودراسة لأدق تفاصيل الشخصيات التي يجسدها، حتى أصبح من أكثر الفنانين الذين تميزت أعمالهم، وصنف كثير منها في قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية.

ظهر نور الشريف في مرحلة كانت تعاني فيها السينما المصرية من أزمات كثيرة، حيث انتشرت في الثمانينيات أفلام المقاولات، إلا أنه كان ذكياً في التعامل مع هذه الظروف الصعبة وخاصة أنه فنان صاحب مشروع ويطمح لترك بصمة خالدة ومؤثرة في هذا المجال، فاستطاع أن يوازن في اختياراته بالمشاركة في أفلام بغرض كسب المال الكافي من أجل أن يتمكن من المشاركة وإنتاج أعمال فنية ذات قيمة عالية تناقش قضايا مهمة في المجتمع، وقد ضحت من أجل ذلك أيضاً زوجته الفنانة بوسي في مسيرتها الفنية وكانت عوناً وداعماً له ولمشروعه الفني.

كان نور الشريف متأثراً بالفكر القومي العروبي وناصري الهوى، لكن هذا لم يمنعه من المشاركة في أهم الأفلام التي انتقدت بشكل شديد التجربة الناصرية والقبضة الأمنية المسيطرة في تلك الحقبة في الفيلم الشهير «الكرنك» للمخرج علي بدرخان، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على تجرده ومصداقيته في استعراضه محطات تاريخية وسياسية شائكة.

شكل ثنائيات رائعة مع المخرج المتفرد بأسلوبه ورؤيته الإخراجية عاطف الطيب وكان فيلم «سواق الأوتوبيس» هو قمة هذا التعاون، وكذلك أعماله المهمة مع المخرج العالمي يوسف شاهين الذي اختار نوراً لأداء سيرته الذاتية حيث استطاع التماهي مع شخصية شاهين وتجسيدها بشكل مذهل في فيلم «حدوته مصرية».