يتمسكون بالأمل ويتحدّون السرطان الذي يحاول النيل من حيويتهم وابتسامتهم وحبهم للهو واللعب والحياة، يخضعون لسلسلة من العلاجات والجراحات والفحوص الروتينية التي قد تسرق سنوات طفولتهم وتنال من ضآلة أجسامهم، إلا أن الأمل يبقى أقوى من العذاب.

يدعمهم على طول مسيرتهم تلك شباب بحرينيون متطوعون في مبادرة «ابتسامة» التابعة لجمعية المستقبل الشبابية المعنية بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال مرضى السرطان وذويهم، والتي تعمل منذ انطلاقتها في مملكة البحرين قبل نحو 10 سنوات على تقديم حزمة من برامج الدعم النوعية المتقدمة لمنتسبيها من الأطفال الأبطال مرضى السرطان، حتى باتت «ابتسامة» الأطفال أنفسهم، وقصة نجاح تحتذى في مجال العمل التطوعي الأهلي الإنساني.

ماريا.. صداقات جديدة



الطفلة ماريا علي ذات التسع سنوات أصيبت بمرض سرطان الدم منذ كان عمرها 4 سنوات، وشفيت بعد رحلة علاج ليست قصيرة، وعادت لتمارس حياتها بشكل شبه طبيعي، مع إبقائها تحت المراقبة الطبية التي تتطلب إجراء فحوصات عامة كل عدة أشهر.

لكن بعد 5 سنوات، وفي أكتوبر 2019 تحديدا، جرى مع الأسف تشخيص إصابة ماريا مجددا بهذا الداء الخبيث، سرطان الدم، وهو ما تطلب معه العودة مجددا للعلاج المكثف في وحدة عبدالله كانو لمرض سرطان الأطفال في مستشفى السلمانية الطبي.

خلال كل تلك السنوات كانت ماريا ومازالت تتابع بشغف البرامج والفعاليات واللقاءات والحفلات التي تنظمها مبادرة «ابتسامة».

تقول والدتها رؤية بوحسان: «في مواجهة ظروف المرض الصعبة، وخاصة بعد الانتكاسة التي حصلت مؤخرا، يحتاج الأهل والطفل المريض إلى من يخفف عنهم معاناتهم ويشد أزرهم، وهنا يأتي دور مبادرة «ابتسامة» الحيوي والأساسي جدا في ذلك».

وتضيف: «بسبب مرضتها اقتصرت علاقة طفلتي ماريا بأختيها الاثنتين وأخيها داخل المنزل، وابتعدت عن صديقاتها، لكنها تمكنت من تكوين صداقات جديدة لأطفال مختلفين تعرفت عليهم خلال مشاركتها في الفعاليات المختلفة التي تنظمها مبادرة ابتسامة، وهذا ما أعاد إليها شيئا من حقها في ممارسة حياتها كأي طفلة تحب اللعب وتكوين الصداقات وتفرح بالهدايا ومشاركة اهتماماتها وميولها مع أقرانها، وأعتقد أن هذا شعور الأطفال أيضا أصدقاء ماريا في المبادرة».

وتشير رؤية إلى موضوع آخر على قدر كبير من الأهمية، وهو توفير مبادرة «ابتسامة» مساحة تلاقي بين أهالي الأطفال مرضى السرطان، تقول: «كون زوجي والد ماريا وكوننا نعمل وملتزمين بوظيفة يومية، وبسبب وضع ماريا الصحي، باتت حياتنا الاجتماعية محصورة بين العمل والعائلة بشكل شبه كامل تقريبا، لكننا عندما نحضر فعاليات مبادرة «ابتسامة» نتشارك مع أهالي الأطفال المرضى الآخرين همومهم وتحدياتهم وتفاؤلهم وأملهم، وهذا ما يخفف عنا همومنا ونعلم أننا لسنا الأهل الوحيدين الذين يتألمون فيما هم يرون فلذة أكبادهم مرضى بالسرطان.

طه يتابع دروسه عبر برنامج «أبجد التعليمي»

الطفل طه إبراهيم ذو العشر سنوات، كان عمره 4 سنوات عندما جرى تشخيص إصابته بورم سرطاني بالدماغ، جرى ابتعاثه بعدها إلى الخارج لإجراء عملية استئصال الورم، حيث أمضى 3 أشهر، عاد بعدها إلى البحرين واحتاج 3 أشهر أخرى حتى يسترد عافيته نوعا ما، وبعد مرور كل هذا الوقت مازال الأطباء يقولون: إنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت لتأكيد شفائه بشكل كامل.

متطوعو مبادرة «ابتسامة» كانوا مع طه منذ مراحل مرضه الأولى، يزورونه في وحدة عبدالله كانو لعلاج الأطفال مرضى السرطان، يوزعون الهدايا عليه وعلى الأطفال المرضى هناك، وينظمون لهم فعاليات مختلفة بهدف إدخال الفرحة إلى قلوبهم ورفع معنوياتهم في مواجهة المرض.

بعد عودته من رحلة العلاج وخروجه من المستشفى لم يكن طه يتمكن من الذهاب إلى المدرسة بسبب المرض، وبادر أحد المتطوعين في مبادرة «ابتسامة» إلى تدريسه في منزله مدة عام كامل، ضمن برنامج «أبجد التعلمي» الذي أطلقته مبادرة ابتسامة بهدف تعويض الأطفال المرضى ما يفوتهم من دروس في المواد الأساسية، مثل: اللغة والرياضيات وغيرها.

تقول والدته سلام البصري: «شعرنا بتحسن كبير في نفسية طه بعد أن جرى تنسيبه لمبادرة ابتسامة، حيث أصبح إلى حد كبير يمارس حياته الطبيعية في الدراسة واللعب، وبات لديه أحاديث وهوايات مشتركة مع أقرانه من أطفال المبادرة، حتى باتت المبادرة بالفعل محور اهتماماته وربما محور حياته كله».

التمسك بالحياة

الطفلة نوف ليقات التي تبلغ حاليا من العمر 10 سنوات، جرى تشخيص إصابتها بورم في الدماغ عندما كانت في السادسة من عمرها، ولم يتمكن الأطباء من إزالة هذا الورم الخبيث كاملا بعد عملية جراحية معقدة بسبب مكان تموضعه. وتابعت نوف رحلة العلاج المكثف بالكيماوي والإشعاع يوميا لمدة شهر، توقفت بعدها، لتكمل بعدها مرحلة العلاج الكيماوي مدة 5 أيام في الشهر على مدى عام كامل.

تقول والدتها نورة البلوشي: إن الحالة الصحية للطفلة نوف صعبة، فهي تتناول أدوية للتشنجات، كما أن الورم أثر سلبا على ذاكرتها حيث باتت تنسى كثيرا، إضافة إلى تضرر حاسة السمع لديها.

لكن أهل نوف مازالوا متمسكين بالأمل كما تقول والدتها، وحريصين على القيام بكل شيء من أجلها، بما في ذلك الاستجابة الفاعلة للمبادرات والفعاليات التي تقيمها مبادرة ابتسامة.

تقول سحر «نحرص على حضور فعاليات مبادرة ابتسامة عندما تكون نوف ليست منومة في المستشفى أو مصابة بالتعب»، وتضيف «في مبادرة ابتسامة ينادون الأطفال بـالأبطال، وهذا ما يشجعهم كثيرا، ويزيد من إصرارهم على محاربة مرض السرطان الخبيث».

كوثر متفوقة في دراستها

الطفلة كوثر حبيب، التي تبلغ من العمر حاليا 12 عاما، جرى تشخيص إصابتها بمرض سرطان الدم عندما كان عمرها 7 أشهر فقط، وجرى إخضاعها لعملية زرع نخاع لم يكتب لها النجاح، ومازالت حتى الآن تتلقى العلاج، وتتردد على المستشفى بانتظام.

كوثر تحاول أن تعيش حياتها بشكل اعتيادي ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وهي متفوقة في دراستها، وستدخل العام القادم الصف الأول الإعدادي، وتؤكد السيدة فاطمة حميد الشعباني، أن طفلتها كوثر تحرص على حضور معظم الفعاليات التي تقيمها مبادرة «ابتسامة» والبرامج التي تنفذها، تماما كحرصها على تفوقها الدراسي.

وفي سياق ذي صلة تؤكد السيدة فاطمة أهمية الدور الذي تنهض به مبادرة «ابتسامة» في حشد الدعم لقضية الأطفال مرضى السرطان، وتقول: «نرى أن الكثير الكثير من الجهات في القطاعين الحكومي والخاص باتوا أكثر دعما لقضية الأطفال مرضى السرطان بسبب الجهود الدؤوبة التي بذلها المتطوعون في مبادرة ابتسامة طيلة السنوات الماضية، وهذا يعود بالخير والفائدة بشكل أساسي على الأطفال المرضى وأهاليهم».

جود ممتنة لدعم مرضى السرطان

الطفلة جود العرادي ذات الثماني سنوات تعاني أيضا من مرض السرطان الذي أصيبت به قبل نحو عامين، تقول والدتها سحر سلمان: إن جود عانت من حرارة مرتفعة متواصلة لم تنفع معها الأساليب العلاجية التي تتبعها الأمهات عادة مع أطفالهن في مثل تلك الحالات.

وتضيف: خلال أول يوم دراسي لجود في الصف الثاني الابتدائي ساءت حالتها الصحية كثيرا، فذهبت بها إلى المستشفى، حيث شك الأطباء هناك بحالتها وقرروا تحويلها إلى اختصاصي مرض سرطان الأطفال، وهناك جرى تشخيصها بمرض اللوكيميا أو سرطان الدم. تعرب سحر عن الصدمة التي يتلقاها الأهل عند إخبارهم بإصابة طفلهم بمرض السرطان، لكنها تؤكد أهمية التحلي بالثبات والصبر، وخاصة أن التقدم العلمي يقدم مزيدا من العلاجات الفعالة لمرض سرطان الأطفال، حتى إن هذا المرض لم يعد مُرعبا ومُميتا كما كان من قبل.

وتشير إلى أهمية مبادرة «ابتسامة» في نشر تلك المعلومات القيمة إضافة إلى تعزيز الوعي بمرض سرطان الأطفال، إما من خلال الحقائب التي توزعها المبادرة على الأطفال المرضى في وحدة عبدالله كانو، وإما من خلال المحاضرات التي تستضيف خلالها الجمعية اختصاصيين في مرض سرطان الأطفال.

وتتحدث أيضا سحر عن اندماج طفلتها جود في فعاليات وبرامج مبادرة «ابتسامة»، بما في ذلك البرامج التي تنفذها المبادرة حاليا عن بعد بسبب ظروف جائحة كوفيد19.