رفضت القضاء.. ومارست الصلح بين المتخاصمين

أسست صندوقي العائلة والمنامة الخيري

شكلنا لجنة من الطائفتين لحل مشاكل المواطنين



مجلسنا مقصد للجميع من مواطنين ومسؤولين وسفراء

حسن الستري، تصوير نايف صالح

أبدى الشيخ عبدالحسين العصفور اعتزازه بعلاقته المتميزة مع جميع مكونات شعب البحرين، من مواطنين ومسؤولين وسفراء، مؤكداً أن ذلك سهل عليه مهمة حل مشاكل الناس.

وقال في حوار مع "الوطن" سرد فيه مسيرة حياته، إنه ولد ونشأ يتيماً بالمنامة، لكنه ترعرع على حب العمل الخيري ومساعدة الناس مشيراً إلى أنه أنشأ صندوق العائلة إضافة لصندوق المنامة الخيري، كما أسس لجنة تسمع مشاكل الناس، وتلتقي بلجنة حكومية لحلها، مؤكداً أنه رفض تولي القضاء رغم كونه من المجازين له، لكنه توفق لحل كثير من المشاكل التي استعصت على القضاء.

وفيما يلي نص الحوار:

•حدثنا عن نشأتكم؟

ولدت في مدينة المنامة ببيت العائلة الموجود على شارع الشيخ عبدالله ونشأت هناك، ودرست في المدرسة الشرقية ويومها لم تكن هناك دراسة ثانوية وبعدها انتقلت للدراسة بالنجف.

•المعروف أنك نشأت يتيماً، حدثنا عن هذه المرحلة؟

والدي توفي وأنا طفل، عمري سنة ونصف، وبعدها رعتني والدتي أنا وأخوتي، وأصبحنا في عز لنا مكانتنا، فالوالد ترك لنا ما نحتاج له، عشنا طفولتنا في أحسن حال من دون أن نحتاج إلى أحد.

•من الذي شجعك لاختيار طلب العلوم الفقهية؟

أخي الشيخ أحمد سبقني للنجف، وكنت أتواصل معه بالرسائل الورقية يومها، وقد شجعني على الالتحاق بالنجف، كما أن الوالد جعل مخصصات لأبنائه الذين يتجهون للدراسة الدينية، لذلك أصبحت مهمتي سهلة، كان لدي عائد ودخل أعيش منه.

اتجهت للدراسة عام 1949، بقيت هناك عدة سنوات مع أخي وبعض العلماء البحرينيين، ودرست أيضاً في كلية الفقه بالإضافة للحوزات العلمية وبعدها جئت إلى البحرين، وبقيت عدة سنوات، ثم انتقلت إلى قم سنة 1973 بقيت في قم بصحبة الشيخ محمد جواد مغنية، واستغرقت دراستي بين قم والنجف حوالي 15 سنة

•كيف كانت الحياة بالنجف وقم؟

بالنجف استطعنا التعايش فيها بسهولة، لأننا وجدنا الأصدقاء الذين لم نشعر معهم بالغربة، وفي قم أيضاً التقيت مع الشيخ محمد جواد مغنية فكان نعم الصديق لي الذي سهل لي حياتي بقم.

•وما هو أول عمل قمتم به بعد العودة إلى البحرين؟

بدأت في تكوين لجنة مكونة من الطائفتين السنة والشيعة للنظر في مشاكل الناس، وطلبنا من الدولة أن تكوّن لجنة للتفاوض معها على حاجات الناس والبلد.

كنا نجتمع في بيتي ثم ننتقل إلى دار الحكومة، ونتفاوض حول حاجات الناس، كان باللجنة الحكومية المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، وجواد العريض، نتفاهم مع اللجنة، وبعدها نبلغ الناس، كان هناك انسجام كبير، وقمنا بحل كثير من المشاكل.

•ما هي أبرز الإفرازات التي خرجت من اللجنة؟

حينها كانت أشياء وقتية، الأشياء المهمة لدى الناس، لا يوجد شيء معين، كل ما يقتضي حاجات الناس، كنا نناقشه. وكذلك أميت صلاة الجماعة في مساجد المنامة، وبعدها اتجهت إلى تكوين صندوق عائلة آل عصفور مع أبناء العمومة، على مستوى المنطقة، وكذلك أسسنا صندوق المنامة مع بعض الأخوة، وقام الصندوق على أحسن ما يكون.

•هل واجهتم أي صعوبات في تأسيس صندوق العائلة أو صندوق المنامة؟

لم نواجه أي صعوبات في إنشاء صندوق العائلة، كان مساهمة من الميسورين من العائلة، لمساعدة الفقراء منا. وكذلك لم نواجه أي صعوبة في تأسيس صندوق المنامة، كان الأخوة الذين أسسوا الصندوق متعاونين إلى أبعد مدى، وحصلنا على الموافقات الرسمية بسهولة.

•وماذا عن المكتبة العامة للثقافة الإسلامية؟

بالبداية أسسناها في بناية بن ضيف بالمنامة، سافرت إلى النجف وحملت كل أنواع الكتب، وفتحها المرحوم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ودعينا كل الشخصيات، ثم نقلناها إلى مبنى الأوقاف القديم.

•لماذا رفضتم تولي القضاء؟

كنت متخوفاً من تولي القضاء، مع أنه لدي إجازة من كبار المراجع في توليه، لذلك رفضته حين طلبت له، لأنني وجدت تولي المصالحة بين المتخاصمين أفضل من القضاء، استطعت عمل المصالحة في بعض القضايا التي لم يمكن البت فيها على دكة القضاء، وحلت ببساطة، ولكن لا أستطيع تسمية أصحاب هذه القضايا، حتى أن أحد العلماء قال عن قضية معقدة استطعت حلها بأن هذه القضية لا تحلها إلا الملائكة، والصلح أفضل من الفصل في القضية عبر الحكم.

•كيف تلقيت خبر تعيينك في مجلس الشورى الأول عام 1992 ؟

اتصل بي المرحوم صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وعرض علي الانضمام للمجلس، فقال لي سموه استشر الإخوان، فقلت له ليس علي وصاية من أحد، وأعطيته الموافقة، وأتذكر أن سموه بعث لي بتهنئة بعد التعيين من خمس صفحات، تضمنت مدحاً وثناءً وتشجيعاً.

•كيف كانت طبيعة عمل المجلس آنذاك؟

كان المجلس استشارياً في ذلك الوقت، وأتذكر أنه خصصت لبعض الأعضاء المقاعد الأمامية، وكنت أنا منهم بالإضافة إلى أحمد منصور العالي وراشد الزياني، من دخولي اخترت لجنة المرافق العامة، وكنت أفوز سنوياً برئاستها بالتزكية.

•المجلس كان استشارياً، فهل هل كان رأي المجلس يؤخذ به؟

في الغالب كانت الحكومة تأخذ به

•لماذا اخترت لجنة المرافق العامة؟

استحسنتها بما أنها تختص بحاجات الناس، وكنا نجتمع مع جميع الجهات في هذه اللجنة.

•حدثنا عن مرحلة اللجنة العليا لإعداد ميثاق العمل الوطني؟

طلبني المرحوم سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، فأبديت موافقتي وكنا نجتمع في شهر رمضان، وكانت لدينا مسودة وكنا نناقشها، خصصوا لجنة مصغرة للبحث عن الموضوع ثم ينقل النقاش لنا باللجنة العليا، لم نواجه أي صعوبة في عملنا.

جلالة الملك المعظم كان مستبشراً بمشروع الميثاق حين تسلمه منا، وعرضه مباشرة على الاستفتاء من دون إدخال أي تعديلات عليه.

•كان الشيخ عبدالحسين العصفور من مؤسسي الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، حدثنا عن هذه المرحلة؟

دخلت في البنوك الإسلامية أول ما أُسست، وتحديداً بنك البحرين الإسلامي، وبقينا لسنوات عديدة، ثم طلبت لاحقاً في مؤسسة النقد، وكانت اجتماعاتنا في خصوص الرقابة الشرعية. وعملنا في البنوك الإسلامية كان جيداً وكانت الأمور تسير بالتوافق، ويؤخذ بالمتفق عليه.

•هل كان رأيكم الشرعي ملزماً للبنك؟

بالطبع كان رأينا ملزماً، وقد خرجنا من البنك ولكننا لازلنا أخوة متحابين مع الجهاز الموجود بالبنك حالياً. وكذلك دخلت في صندوق الزكاة وكنت من الموقعين على الشيكات، وبقينا فيه لسنوات، ساعدنا الشعب العراقي، وبعثنا القوافل للمساعدات في عدة دول، وكذلك كنت في المستشفى التخصصي.

•كنت من الأشخاص القلائل الذين تشرفوا بدخول الكعبة المشرفة، حدثنا عن هذه التجربة؟

كنت أسافر إلى مكة سنوياً، وكانت لدي رغبة في دخول الكعبة، وكنت ألتقي بالمسؤولين فقالوا لي أن ذلك مستحيل، فأخذت سائقاً وأخذنا إلى دار أمير مكة، فاجتمعت مع نائبه وبينت له رغبتي في دخول الكعبة، وكان جوازي آنذاك خاصاً، فسألني أين تسكن، وأخذ عنواني، ورجعت للفندق، فاتصلوا بي باليوم التالي وقالوا لي بأنه لدي بطاقة يجب أن أستلمها، ذهبت لهم واستلمت البطاقة.

وباليوم التالي اغتسلت صباحاً، وذهبت مع السائق الذي يومها كان خاطب امرأة ولم يوافق أهلها، فقلت له إذا من نصيبك ستأخذها، فقال لي ادعُ لي داخل الكعبة، ذهبت للبيت وأريتهم البطاقة، وكان الطواف متوقفاً حول الكعبة، ودخلنا الكعبة في الساعة 8:05 صباحاً، وكان الوقت المسموح 5 دقائق فقط، وحين دخلت صليت إلى الجهات الأربع، ولم نلقَ مضايقات، بقينا 20 دقيقة، ودعيت للجميع، ومن ضمنهم السائق. وباليوم التالي خرجت مع السائق للذهاب لكسوة الكعبة، جاءني السائق وبيده "دبلة"، فسألته عن الموضوع، فقال لي: أنا اليوم معك ولا أريد منك أجرة، فقد اتصل بي أهل البنت وأبدوا موافقتهم على الخطبة، وهذه من قصص دخولي الكعبة. وذهبت لكسوة الكعبة، وسمحوا لي بالدخول أيضاً.

•حدثنا عن زياراتك لبيت المقدس؟

زرتها المرة الأولى أثناء دراستي بالنجف، كانت الضفة تتبع الأردن، ذهبت لبيت المقدس والخليل، والمرة الثانية أصبحت في لجنة القدس برئاسة جلالة الملك المعظم حين كان ولي العهد، فطلبوا منا السفر للقدس لبناء بناية للأيتام، وبالمرة الثالثة سافرت للعلاج بالأردن والتقيت بسفير الأردن بالبحرين، وقلت له: بيني وبين القدس 80 كم، لِمَ لا أصلي في القدس؟، فقال: لي لك ذلك، باليوم الثاني جاءتني سيارات من البلاط الملكي وأخذتني لبيت المقدس والخليل، وعدنا بالليل.

•حدثنا عن مجلسكم؟

المجلس متميز بأنه مقصد للجميع من كل الطوائف لأن حياتنا منفتحة على الكل، تأتي الوفود لنا أحياناً حتى قبل الوصول إلى الفندق، صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء يقصدنا سنوياً في شهر رمضان، نستقبل الجميع بما فيهم السفراء، وبعضهم نساء نستقبلهم، لا يوجد شيء لدينا يمنعنا من استقبال الضيوف.

•حدثنا عن مرحلة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية؟

كنت في إسطنبول، فاتصل بي الديوان وأبلغوني برغبتهم بدخولي المجلس، دخلت بالبداية كعضو، وبعد وفاة الشيخ عبدالله بن خالد أصبحت نائباً للرئيس.

تأتينا أسئلة من المجلس النيابي لطلب الرأي الشرعي فيه ونجيب عليها، فنحن لجنة الأحكام الشرعية ولجنة تعنى بالجمعيات، فأنا كنت رئيس لجنة الجمعيات، وكنا نناقش القوانين التي تأتينا من وزارة التنمية الاجتماعية.

•حدثنا عن هواياتك؟

هواياتي حب الناس وعلاقتي بالناس كلها، لم يحدث في قلبي أي ضغينة لأي إنسان، وهذا المبدأ الذي سهل علي خدمة الناس، ولم أواجه أي عائق في حياتي.

أنا كانت لدي طبيعة منذ الطفولة، فهي صداقتي مع الكل، لم أنتمِ إلى أي جهة أو حزب، وعلاقتي بالدولة والناس وجميع الشخصيات علاقة جيدة.

•كم عدد أفراد أسرتك؟

لدي 6 أولاد و5 بنات، مؤخراً كنت بإحدى المناسبات، وكنت جالساً بجنب وزير الداخلية فقلت له إنني توفقت في أبنائي، فقال لي "لأنك أنت أبوهم"، الحمد لله لم يشغلني أي شيء في الحياة، فالوالد ترك لنا ما يكفينا.