الأيام تجري بسراع ويشتد جرح الألم لغياب الذين ألفنا نفوسهم الجميلة ومحبتهم الصادقة، الذين غمروا حياتنا بجميل القيم والمبادئ، فتأثرنا بهم غاية التأثر لخبرتهم في الحياة وتجاربهم الثرة، فأصبحوا لنا مدارس ننهل منها المعرفة الرصينة، وسمو الأخلاق وحب العمل والإخلاص فيه، وطيب القلب والتفاني في حب الأوطان والحرص الشديد على الاحتفاظ بالعلاقات الوطيدة حتى لا تضيع.

في الذكرى الثانية لرحيل معلم الأجيال المربي الفاضل أستاذنا عبده بشارة نستذكر بحزن شديد هذه الشخصية الفذة الرائعة التي تركت إرثاً من الأهمية بمكان سواء في تربيته لأبنائه الأعزاء أو في علاقات المحبة مع كثير من الناس، أو في تجربته الصحفية الرائدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى الريادة، أو من خلال مساهماته الثرة في ما قدمه للجالية السودانية على هذه الأرض الطيبة فكان سفيراً بلا سفارة، في سبعينات وثمانينات القرن الماضي قبل نشوء العلاقات الدبلوماسية بين البحرين والسودان، وكانت حكومة السودان في عهد الرئيس الأسبق عليه رحمة الله جعفر محمد نميري تعامله كسفير بدون مخصصات، كان يدفع من جيبه الخاص لكل ما يخص الجالية في ذلك الوقت.

كان أستاذنا عبده بشارة جسر المحبة بين البلدين والشعبين الشقيقين، فكان يعتز أيما اعتزاز بما لعبه من دور في هذا المجال، كما كان سبباً في بالارتقاء بحياة كثير من الناس، لم يحدثنا أبداً عن ذلك، راجياً الثواب من الله سبحانه وتعالى، لكن الذين يعرفون فضله هُم من يذكرونه دائماً بالخير ويدعون له بظهر الغيب، ليس هذا فحسب فأستاذنا الفقيد الراحل من الذين يمنحون الناس الأمل عندما تغلق في وجوههم الأبواب، وهو من الذين يرصفون الطرق ليمشي عليها المتعبون من ضنك الحياة، والذين أضناهم المسير في تعرجاتها المختلفة.

الفقيد لم يكن ككُل الذين قابلتهم في حياتي، وتعرفت عليه هنا في البحرين، كان مختلفاً في كل شيء داعماً وناصحاً ومُحباً، وخاصة بالنسبة للشباب، كان شخصاً رائعاً إلى أبعد الحدود بحيث يتمنى الإنسان ألا يفارقه أبداً من طيبته ورقته وأدبه الجم، حديثه لا يُمل سواء في التاريخ أو السياسة أو الاقتصاد، أو تجربته في الدراسة بألمانيا وريادته في العمل الصحفي وتأسيسه العديد من الإصدارات التي كانت هي الأولى من نوعها، والمراحل التي مر بها والتحديات التي واجهها، لم يكن شخصاً عادياً، فهو من أصحاب العزائم الذين يعملون بجد ونكران ذات، ليس لأجل أنفسهم بل لسعادة الآخرين، وبرغم رهق الحياة الظاهر على ملامحهم، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

الفقيد عبده بشارة من المخلصين لأوطانهم ولدينهم ولمبادئهم ولتقاليدهم الأصيلة، وله في محبة البحرين وقادتها ما لا يُعبر عنه بالكلمات فكان قريباً من وجدان أمير البلاد الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، وصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الراحل الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، وعليهما رحمة الله الواسعة، شخصياً قد حظيت بكثير من المعلومات المكتوبة والشفهية التي أمدّني بها عن هذه العلاقة، الفقيد الراحل من الطيبين الكُرماء الأوفياء الأتقياء أصحاب النفوس النقية والقلوب المزدهرة بالحب، وقد ورث أبناؤه وأحفاده عنه طيبة القلب وانشراح الصدر حفظهم الله جميعاً، ورحم الفقيد وزوجته الفاضلة رحمة واسعة وأسكنهما مع الصديقين والشهداء.