يقول عمر الخيام في رباعياته الشهيرة: «أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَحَر.. نادى دَعِ النومَ وناغِ الوَتَر.. فما أطالَ النومُ عُمرا.. ولا قَصَرَ في الأعمارِ طولُ السَهَر» فهل صدق عمر الخيام أم كذب؟ فلم أكن أعلم أن للنوم علماً وللنوم طباً وللنوم أهمية بهذا القدر وللنوم علاقة بطول العمر أيضاً على عكس ما قال الخيام، ما لم أقرأ هذا الكتاب الذي وصلت إلى منتصفه ومازلت أندهش كلما قرأت جديدة من المعلومات.

الكتاب لماثيو ووكر أستاذ علوم الأعصاب والفيزيولوجيا ومدير مركز علوم النوم البشري في جامعة بيركلي وأستاذ سابق لعلم النفس في جامعة هارفرد وعنوان الكتاب «لماذا ننام؟».

يقول الدكتور ماثيو إنه بعد أن درس عالم النوم لمدة تزيد عن العشرين عاما وعرف قدره من الأهمية التي تتعلق بصحة الإنسان، حتى قاد هو ومجموعة من العلماء والباحثين المختصين حملة لجعل الأطباء يشرعون في مطالبة مرضاهم بالنوم، بحيث يكون ذلك جزءاً من الوصفة الطبية إلى جانب الأدوية.

إذ ليس هناك مخلوق وكائن من كائنات الأرض كالإنسان يتعمد حرمان نفسه من النوم كالإنسان، فعلا فلطالما قلنا «لاحقين على النوم» وذلك غير صحيح بتاتا، فهذا الكتاب لا يتحدث عن أهمية النوم فقط، بل حتى عن أهمية الحلم وعلاقتهما بصفاء الذهن وصحتنا البدنية!!

فالأحلام وفقاً للدكتور ماثيو لها فوائد عديدة، منها أنها عملية كيميائية عصبية تساهم في مواساة الفرد وتخفيف مر الذكريات المؤلمة؛ فهي مساحة من الواقع الافتراضي يخلط فيها الدماغ معارف الماضي والمستقبل على نحو يحفز على الإبداع.

نعود إلى النوم الذي قال عنه الكتاب إنه يعيد تهيئة نظامنا المناعي، ويساعدنا على مكافحة الأمراض والوقاية من العدوى ودرء أنواع كثيرة من الأمراض، ويقوم النوم بإصلاح الحالة الاستقلابية في الجسم من خلال التوازن الدقيق للإنسولين ودوران الجلوكوز يساعد على حفظ الوزن، ويوفر كائنات دقيقة في الأمعاء، وهناك ارتباط بين النوم وبين أداء الأوعية والقلب؛ لأن النوم يخفض ضغط الدم.

يشرح لك الكتاب أنواع النوم ودرجاته وفي أيهم تحلم، كما يشرح كيف يتهيأ الدماغ للنوم وكيف تغلق الطبقة التي تلي قشرة الدماغ على نفسها وتسمى «المهاد» فتمنع الحواس حتى الصوت منها من الوصول كي تتمكن من الاستغراق في النوم، وكيف ترتخي عضلات الجسم حتى تقرب للشل، ثم سبحان الله تعود تلك الطبقة فتفتح أثناء النوم لتسمح للذكريات المخزنة أن تنهال على القشرة التي تتحول إلى شاشة عرض، وفي هذه الأثناء تنهال عليك ذكريات من الماضي ومعلومات جديدة من الحاضر تمتزج معا وهذا الدمج هو الذي يجعل التجارب تتراكم في ذهنك وصدق أو لا تصدق في هذه الأثناء يؤرشف دماغك كميات المعلومات التي انهالت على عقلك أثناء اليقظة لأن قدرته الاستيعابية تكون أكبر رغم أنها أبطأ في الحركة، هذه العملية تكون فيها أجزاء من دماغك أكثر نشاطا أثناء النوم منها أثناء اليقظة.

مازلت وأنا أقرأ عن خفايا النوم ومعجزاته أقول سبحان الخالق وما أظلمك أيها الإنسان الغرور فأنت تفاخر اليوم بقدرة الذكاء الصناعي الذي ابتكرته، لكنك لا ترى تلك المعجزات التي في نفسك وأصغرها يفوق عقلك بكل إبداعاته.