بغض النظر عن نتائجها فهي لم تنتهِ بعد، إلا أن العمل الذي تقوم به اللجنة المشتركة والتي أمر جلالة الملك بها للبحث عن توافقات على مسألة قانون التقاعد هو عمل كان يجب أن يحدث قبل تقديم القانون، وهي آلية يجب إقرارها مستقبلاً، فالتوافق بين السلطات ممكن أن يكون مسبقاً، كما هو ممكن لاحقاً وفقاً للدستور، خاصة إذا كانت القوانين التي ستطرح تمس حقوق الناس ومدخراتها وسيجنبنا العديد من الصدمات.

المسألة الثانية هي أنه طوال تاريخ البحرين السياسي اكتسبت السلطة خبرة عميقة في التعاطي مع المسائل الحساسة لدى المواطنين، تعرف بها كيف تصل معهم إلى بر الأمان، تعرف كيف تخاطبهم كيف تشركهم في هواجسها إن وجدت، تعرف الأسلوب والتوقيت الذي تحدثهم به، تتواصل مع مجالسهم مع مفاتيحهم السياسية مع صحافتهم، ثم تقرر متى وكيف تطرح مواضيعها، ومرت على البحرين فترات اقتصادية عصيبة ولم تكن تلك هي الأولى، والبحرين مازالت صغيرة كتعداد ومساحة بالإمكان التواصل والتوافق فيها بسهولة مع أطراف العلاقة، حبذا لو استفدنا من هذه الخبرة، لم الآن نتعاطى مع بعضنا البعض بأسلوب خذوه فغلوه؟

والمؤسف أنها لم تكن المرة الأولى التي يتدخل فيها جلالة الملك مؤخراً ليعيد الأمور لنصابها البديهي الذي كان يجب أن يكون هو المبتدأ وهو الأساس للعمل السياسي، أي التشاور وتبادل الرأي والحصول على توافق بين كل الأطراف المعنية قبل اتخاذ الرأي، والشفافية مع الناس والاستماع لكافة الآراء قبل صياغة القانون، فقد سبقها ضجة حدثت بسبب تعديلات على بنود الدعم في الميزانية، والتي اضطر فيها جلالة الملك للتدخل والدعوة لتشكيل لجنة تبحث عن توافقات قبل إقرار إجراءات إعادة توزيع الدعم، وقبلها أيضاً حدثت ضجة حين أرادت الحكومة وقف الزيادة السنوية للمتقاعدين، وفي كل مرة كان الأسلوب الانفرادي والتعتيم والطريقة في طرح المواضيع هي التي تحدث الضجة وتخيف الناس وتثير حفيظتهم لأنها خالية من حسابات ردات الفعل وبعيدة عن الخبرات المكتسبة في كيفية التعاطي مع هذه المواضيع.

الأمر الآخر أنه لم يكن الأمر يستدعي كل هذا اللغط لو كانت هناك شفافية منذ البداية وإيضاح وضع الصناديق للناس بكل أبعاده ومخاطره التي حركت الحكومة للحفاظ على ديمومة واستمرار الصناديق متزامناً ذلك مع فتح باب الحوار مع الناس مباشرة ومع ممثليهم، والاستماع للآخرين احتراماً لهم ولهواجسهم المحقة.

أما القصة الأخرى هي أننا بتنا نفتقد تضامناً حكومياً وتحركاً منسجماً بين أعضائها، ولو كانت الحكومة تتحرك ككتلة تضامنية كل وزير فيها يعرف تفاصيل وأبعاد هذا القانون أو غيره وتبعاته ومتى وكيف سيطرح كي يدافع عن وجهة نظر الحكومة ورؤيتها، لشهدنا حملة حكومية شاملة ولاستمع الناس بالتفصيل لا من وزير المالية وحده بل من بقية الأجهزة المعنية كالعمل والإعلام ومركز الاتصال الوطني وغيرهم ولاشتركوا جميعاً في شرح الأسباب التي دعت الحكومة لهذه الخطوة، فإن كان معظم الوزراء يجهلون التفاصيل فذلك انطباع لا يدعو للثقة بالقرارات الحكومية.

أضف لها توقيت طرح القانون بعد الخبر الذي أسعد الناس والخاص بالكشف عن النفط والغاز، نزل عليهم هذا الخبر كالصدمة الذي ظهر التناقض فيه بيناً في الرؤية المستقبلية بين أعضاء الحكومة، كان توقيتاً سيئاً سحب الفرحة في مهدها، ثم أضف له طريقة الاستعجال التي ظنت فيها الحكومة أنها كافية لإقناع الناس بخطورة وضع الصناديق.

أضف لها نقطة هامة وهي خطورة الأوضاع الآن في المنطقة عموماً وسهولة توظيف حالات الشحن للتحريض على الفوضى واحتمال دخول أطراف أخرى تستفيد من هذه الفوضى، كل تلك الاعتبارات غابت عن طريقة طرح القانون.

نتمنى الاستفادة من هذه التجربة، واعتماد ما دعا له جلالة الملك أي الحصول على توافقات مسبقة كسياسة عامة لتجنب الصدمات وردات الفعل اللاحقة، واحترام عقول الناس بمكاشفتهم مسبقاً.

كلمة أخيرة

نعرف أن الجميع يتحرك بحسن نية، إنما مادام الخطأ وارداً فإن التعلم من الأخطاء واجب.