في مرحلة كالتي نعيشها حافلة بفتن وصراعات وحرب كونية ضد التعصب والإرهاب، في زمن أدين فيه الإسلام والمسلمون زوراً وبهتاناً وألصقت بهم تهم نحن نبرأ إلى الله منها، في وقت اختلطت فيها الأوراق فادعى فيها زعماء الإرهاب وحماته الطهر والقدسانية، وتحدثوا باسمنا، نحتاج إلى أن نواجه هذا الضلال وجهاً لوجه ونضعه أمام مرآته ونظهر حقيقتنا للعالم دون مواراة وخجل وتردد، نحتاج إلى أن نقرن الأفعال بالأقوال وأن ندعو الجميع كي يختبر معنى التسامح والتعددية والأريحية والتعايش والسلام كقيم إسلامية وعربية.

والذكاء هو أن تلتقط الفرصة المناسبة والأكثر تأثيراً وربما النادرة والتي من الصعب أن تتكرر، كالتقاطة الشيخ محمد بن زايد لوجود شخصية كفرانسيس الثالث على سدة الفاتيكان.

يذكر أميل أمين الكاتب المصري القبطي أن شخصية البابا فرنسيس تشكل منعطفاً في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية فهو أول بابا من خارج أوروبا من الأرجنتين، وجاء بفكر وعقلية مغايرة تماماً عمن سبقه «تلعب شخصية فرنسيس ولا شك دوراً مهماً للغاية في الفضاء الخلفي لحاضرة الفاتيكان، بل تشكل بالفعل ثورة في طريقة التعاطي مع العالم».. «مؤكد أن أعمال البابا فرانسيس ومنذ أرتقى السدة البطرسية في 13 مارس 2013، تميزت أعماله بالبساطة الثورية، وخير مثال مواقفه من المهاجرين، أولئك البائسين المعذبين في البر والمهانة كرامتهم والغرقى في البحر، والمطرودين على الحدود من الجميع.

عندما ذهب البابا فرنسيس إلى «ليسبوس» في اليونان، لم يقبل بأقل من أن يحضر مع بعض العائلات المسلمة، بل إنه فتح أبواب الفاتيكان ومساكن الكرادلة أمراء الكنيسة لهؤلاء اللاجئين، وأوصى كل كنيسة في أوربا بأن تستضيف أسرتين من أسر المهاجرين، دون النظر إلى دينهم أو معتقدهم الإيماني، فهم أولاً وقبل كل شيء بشر مهانون ومطرودون.

فرانسيس انحنى في السجن ليغسل أقدام مدانين ومسجونين رجال ونساء، خاطئين أو مدانين لا يهم، مسلمين لا مانع، إنهم بشر أنهكتهم البشرية بصراعاتها المعقدة، وحلت بهم أقدار قادتهم إلى ذاك المصير.

فرانسيس وخلال زيارته لإفريقيا أصر على أن يقل إماماً محلياً في سيارته البابوية على الرغم من المخاطر المحدقة به، وفي زيارته للقاهرة ورغم مخاوف الإرهاب رفض أن يستقل سيارة مصفحة تعزله عن جماهير الشعب المصري المرحبة به» انتهى.

هذه الشخصية ستحدث فارقاً على صعيد التعايش والتقارب وإزالة الحواجز وإعادة ترتيب العلاقات البشرية، لهذا التقطت دولة الإمارات أهمية تلك الشخصية كي تدعوها لتقيم قداسها على أرض عربية مسلمة من الجزيرة العربية، هذه جرأة تحتاج إليها الدولة كي يطمئن الجميع إلى أن العلاقات الطيبة بين أصحاب الديانات هو نهج الدولة الرسمي وليس لأحد أن يفرض واقعاً آخر، وأن التسامح بين الأديان يستمد شرعيته من الدولة.

أضاف لهذه المبادرة بعداً أسبغه تأكيد الشيخ محمد بن راشد على ضرورة إرساء قيم التسامح ونبذ التطرف والانفتاح على الثقافات والشعوب كتوجه مجتمعي عام تنخرط فيه فئات المجتمع كافة بما فيها القطاعان الحكومي والخاص.. وقال سموه: «نسعى لتحويل قيمة التسامح إلى عمل مؤسسي مستدام يعود بالخير على شعوبنا». «نريد سياسات حكومية ترسخ التسامح ودراسات مجتمعية معمقة لنشر مبادئ التسامح لدى الأجيال الجديدة».

فأعلنت الإمارات عام 2016 تأسيس أول وزارة للتسامح في العالم وأصدرت قانون مكافحة التمييز والكراهية الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، وأعلنت عدداً من المبادرات الفاعلة في مجال تعزيز الحوار بين الشعوب والأديان مثل «البرنامج الوطني للتسامح» و«جائزة محمد بن راشد للتسامح»، و«المعهد الدولي التسامح» إلى جانب تأسيسها العديد من المراكز الهادفة إلى محاربة التطرف مما ساهم في تصدر الإمارات المركز الأول في مؤشر «التسامح مع الأجانب» في ثلاثة تقارير دولية للعام 2017 - 2018 هي: الكتاب السنوي للتنافسية العالمي، وتقرير مؤشر الازدهار الصادر عن ليجاتم، وتقرير مؤشر تنافسية المواهب العالمية الصادر عن معهد إنسياد.

لا يجب الاتكاء إذاً على إرثنا التاريخي والحضاري فحسب كحجة ننافح بها عن قيمنا الإنسانية السمحة بل يجب أن تكون لنا إضافتنا وجهدنا كي نورث تلك القيم لأجيالنا القادمة، وللدولة دور كبير في إرساء هذه القيم حين يأخذ القادة مسؤوليتها بجدية وتترجم حكوماتها تلك المسؤولية ببرامج ومشاريع تدخل ضمن سياق العمل الحكومي فلا تترك الدولة مجالاً للجماعات العشوائية لتفرض علينا واقعاً هو ليس منا كما حدث سابقاً، على الدولة أن تكون حاضرة بقانونها، بمؤسساتها، بمناهجها، ببرامجها، التسامح لن ينمو إن لم تسقه الدولة.