ربما يمتلك أحدنا الكثير من المواهب والقدرات لكنه لا يستغلها. وربما تتهيأ لنا الكثير من الفرص لكننا نحجم عن اقتناصها. وقد يكون لذلك أسباب كثيرة، أحدها الخوف.. والخوف بصفته شعوراً طبيعياً غريزياً، ذو وظيفة وجودية تحمي الإنسان من الوقوع في الأخطار، قد ينتقل من موقعه الطبيعي ليتدرج إلى مراحل القلق ثم الرُهاب ثم الفوبيا. بالتالي يعيق الإنسان عن ممارسة حياته الطبيعية ويجعله أسير وساوسه وهواجسه ومخاوفه.

من أين نكتسب علاقتنا بالأشياء؟ وكيف نتعلم إدارة مشاعرنا؟ إن نشأتنا الأولى بين أفراد أسرتنا، وفي مدارسنا، وفي مجتمعنا الأول هي التي تؤسس شكل علاقتنا بالكون. نحن نتعلم من الآخرين «الأم، الأب، الإخوة، المعلمون، الزملاء، الأقارب» ماذا علينا أن نحب، وماذا ينبغي علينا أن نكره. ومنهم أيضاً نتبنى قائمة المخاوف التي تصاحبنا إلى الممات. الآخرون هم الذين يعلمونا كيف نعبر عن حبنا وكرهنا وكيف نكتم مشاعرنا وأفكارنا وأسئلتنا خوفا منهم. ثم كيف نكذب عليهم إذا خالفنا تعاليمهم. ليصبح الخوف هو السجن الكبير الذي نعيش فيه دون قضبان ودون سلاسل تقيد أيدينا. فالخوف هو مصدر الكثير من الاستجابات السلبية والسلوكيات غير السوية التي يمارسها الإنسان في حياته، حماية لنفسه من الأفكار المخيفة، ومن الأشخاص الخطرين على حياته وأسرته ومستقبله.

«بالخوف تسيطر على الآخرين وتتحكم في عقولهم وقلوبهم»، هذه القاعدة السحرية استخدمتها جميع السلطات المهيمنة على الإنسان، وتحت عناوين شتى. استخدمها الآباء الأمهات والمعلمون، واستخدمتها الدعاية الإعلامية، ورجال الدين والسياسة. حتى المثقفون والمفكرون لجؤوا في كثير من أطروحاتهم إلى بث الخوف في الجماهير من قضايا كثيرة. وحين تعبث بغريزة الخوف عند البشر فإنك، بكل بساطة، لا تحترم إنسانيتهم ولا تتعامل مع عقولهم. إنك تتعامل معهم بمنطق بدائي يحاكي احتياجات الإنسان الأول بعد توفيره لطعامه وشرابه، احتياج الإحساس بالأمان.

والإنسان الذي يصعب انقياده هو الإنسان قليل المخاوف، والقادر على المواجهة. فهو يشعر أن خسارته بالوقوع تحت سلطة الخوف أكبر بكثير من خسارته حين المواجهة. وإذا استغرقنا في مخاوفنا وفي الأشياء التي نخاف منها «قبل انزلاقنا في الخوف المرضي» فإننا سنجد أن أغلب ما نخاف منه لا يتجاوز أن يكون أوهاماً وتصورات لا أصل لها، مثل الخوف من الأماكن المرتفعة والمظلمة والخوف من الغيبيات التي لا نعرف لها أثراً ولا نملك عليها دليلاً، والخوف من الأشباح والخوف من نفوذ وسلطة بعض البشر. وأحياناً يتراكم الخوف من مسائل لم نواجهها ولم نقف معها وقفة تحد سواء كان التحدي وهمياً في خيالنا، أو تحدياً مباشراً. وفي كل الأحوال فإن الكثير من مخاوفنا لا معنى ولها ولا وجاهة لأسبابها.

ثمة فارق بين الحماقة في المبالغة في الشجاعة، وبين الحكمة في إدارة مشاعر الخوف، وبين الوقوع في فخ المخاوف. ثمة فارق بين أن تضبط حياتك، وبين أن تقيد حياتك وتعيقها. فالخوف أحد الأسلحة الفتاكة التي يمكن استخدامها لإصابة الآخرين بالشلل. من أجل ذلك، افهم مخاوفك وتفهم أسبابها، ثم واجهها وتغلب عليها.