تونس - منال المبروك

أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية، الخميس، عن وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي في المستشفى العسكري بالعاصمة تونس، بعد تعرضه لوعكة صحية. وصباح الخميس الذي يتزامن والذكرى الـ62 لعيد الجمهورية في تونس أعلنت مؤسسة الرئاسة خبر وفاة الرئيس السبسي الذي صعق التونسيين حيث خيّمت على البلاد موجة حزن فيما أعلن الدوائر الرسمية الحداد الوطني وتنكيس الأعلام لمدة 7 أيام .

وقال بيان الرئاسة التونسية "لقد آمن الفقيد الكبير بتونس وببناتها وأبنائها وساهم إبان الاستقلال في كل المواقع السيادية في بناء الدولة وقرّب بعد الثورة بحكمته وصبره وسعة صدره بين النفوس والضمائر فجنّب شعبها ويلات التدافع والتصادم وقاد مرحلة الانتقال الديمقراطي وكان حريصا على بناء المؤسسات الدستورية واستكمالها".



ودعا بيان الرئاسة الجمهورية الشعب التونسي كافة إلى الوحدة الصماء والصبر والتكاتف والالتفاف حول مؤسساته الدستورية صوناً لمستقبل تونس وحاضرها.

وأدخل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مجدداً إلى العناية الفائقة في المستشفى، في وقت مبكر من صباح اليوم الخميس، بعدما كان دخلها عدة أيام في نهاية يونيو إثر إصابته بـ"وعكة صحية".

وقال نجله حافظ قائد السبسي لوكالة فرانس برس إن الرئيس التونسي "93 عاماً"، "في العناية الفائقة في المستشفى العسكري "في العاصمة" والأمور ليست على ما يرام".

وأضاف نجله أن والده نقل للمستشفى العسكري إثر وعكة صحية طارئة، ناتجة عن مخلفات التسمم الغذائي الذي تعرض له خلال الفترة الماضية.

وكان الرئيس التونسي قد نقل في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء الخميس إلى المستشفى العسكري بعد وعكة صحية طارئة بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية ونجل الرئيس.

وكان السبسي نقل في حالة حرجة الشهر الماضي للمستشفى العسكري، حيث قضى أسبوعاً قبل الخروج بعد إعلان تعافيه، ولم يظهر بعد ذلك إلا في مناسبتين فقط.

والسبسي "93 عاماً" شخصية بارزة في تونس منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011، كما يعد ثاني أكبر رئيس دولة سناً في العالم بعد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية.

وظهر الرئيس التونسي، أخر مرة بعد غياب حوالي أسبوعين منذ خروجه من المستشفى العسكري، واستقبل في شريط فيديو قصير وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، الذي طمأن التونسيين على الوضع الأمني "الجيد" وجاهزية القوات العسكرية والأمنية.

والرئيس الباجي قائد السبسي أو "البجبوج" كما يحلو للتونسيين مناداته وصل إلى السلطة بعد فوزه في الانتخابات عام 2014 ليحقق حلمه ويتقلد منصب الرئاسة في الـ 88 من عمره ويكون بذلك أكبر رؤساء العالم.

ويعتبر الرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي أول رئيس يتم انتخابه عبر الاقتراع المباشر من قبل الشعب بإشراف هيئة عليا مستقلة للانتخابات.

وهو الخامس من بين الستة رؤساء الذين عرفتهم الجمهورية التونسية منذ 25 يوليو 1957 تاريخ قرار المجلس القومي التأسيسي بالإجماع إلغاء الملكية.

وسيرة الرئيس التونسي سيرة غير عادية، ارتبطت بالحكم منذ نشأته، وتراوحت بين الإبعاد زمن بورقيبة وبن علي ثم العودة بعد الثورة حيث قاد السبسي تونس من مناصب مختلفة في أصعب الفترات التي مرت بها البلاد.

والسبسي، المولود في نوفمبر 1926، في ضواحي العاصمة التونسية، انخرط في الحزب الدّستوري الجديد وعمره 15 سنة.

ودرس الرئيس الراحل القانون بجامعة السوّربون بباريس بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، وعاد إلى تونس في يوليو 1952، والتحق بمكتب المحامي فتحي زهير، فتمّ تكليفه بالدّفاع عن الوطنيّين الذين مثلوا أمام المحكمة العسكريّة إبان الاستعمار الفرنسي لتونس.

واشتغل إبان الاستقلال في 1956 مع الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، وتقلد مهام عديدة في ديوانه وفي وزارتي الداخلية والخارجية، كما شغل منصب سفير تونس في واشنطن وباريس وغيرها، إلى أن دخل في خلاف مع بورقيبة مع عدد من المدافعين عن دمقرطة الحياة السياسية في تونس، ثم عاد مرة أخرى إلى الحكم إثر إعلان الرئيس بورقيبة عن رغبته في تحقيق الانفتاح الدّيمقراطيّ والتّعدّديّة، ليدخل بعد ذلك في تسعينيات القرن الماضي إلى المجلس الدّستوري .

وأصبح السبسي نائبا في البرلمان، ثم رئيسا لمجلس النوّاب حتّى أكتوبر 1991، ليبتعد مرة أخرى عن الحكم لفترة طويلة، قبل أن يستأنف عمله في المحاماة حتى قيام الثّورة ورئاسته الحكومة الانتقاليّة المكلّفة بإعداد انتخابات المجلس التّأسيسي في 2011.

أسس السبسي حزبه حركة "نداء تونس" ليخوض به الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014، وتحصّل على الأغلبيّة في الانتخابات التشريعيّة بـ86 مقعدا من مجموع 217.

وأصبح السبسي رئيسا لتونس بعد حصوله في الانتخابات الرئاسيّة على نسبة 55.68 % من الأصوات في مواجهة منافسه منصف المرزوقي.

ويتميّز الرئيس الراحل بخصال سياسية جعلته محل إعجاب وتقدير من قبل رؤساء وقادة العالم حيث كان السبسي يجد الحظوة في كل المحافل والمناسبات الدولية التي يحضرها.

كما يتميز الباجي بقدرة على الخطابة وحضور ذهني متميز رغم سنه المتقدمة كما لا تخلو خطابته من جانب الدعابة والفكاهة ما جعل منه شخصية فريدة.

وبالرغم من الاختلاف من خصومه السياسيين إلا أن الباجي كان يجد التقدير من كل العائلات السياسية في تونس كما خلفّ خبر وفاته حزنا كبيرا في نفوس التونسيين الذين انتقلوا إلى المستشفى العسكري أين كان يرقد جثمانه لتوديعه الوداع الأخير فيما أعلنت وزارة الخارجية تلقيها العديد من المكالمات الهاتفية والبرقيات من رؤساء العالم والمسؤولين العرب والأجانب وأكدت عديد الدول حرصها على مشاركة تونس حزنها.