قبل فترة كتبت مقالاً عنوانه «معضلة الفبركة المعلوماتية»، وقفت فيه على التهديدات التي ألحقتها التكنولوجيا الحديثة وبعض تطبيقاتها الخبيثة بالبنية المعرفية، ففي وقت مضى من المقال المذكور تناولنا كيف يتم تأليف المقالات المفبركة بواسطة الذكاء الاصطناعي، ما يعني إغراق قواعد المعلومات والبنى المعرفية بالمعلومات والأفكار والدراسات المضللة، وكنت قد أشرت في مقالات أخرى أيضاً إلى أن الفبركة لم تطل النص الإلكتروني وحده بل كافة أشكال المحتوى الإلكتروني بما في ذلك صناعة فيديو مفبرك لأشخاص حقيقيين عبر تقنية GAN.

اليوم ظهر أمر جديد في عالم الفبركة الإلكترونية وهو الـ«DeepCom»، وتتمثل هذه البرمجية الجديدة بنشر التعليقات الوهمية على مقالات الصحف الإلكترونية، بما يفضي إلى إغراق البنية المعرفية الإلكترونية بالمحتوى المضلل.

قد يرى البعض أن التعليقات الوهمية مسألة ليس من الضروري الوقوف عليها، ولكنها في حقيقة الأمر مسألة خطرة جداً على عدد من الأصعدة، إذ من الممكن استغلالها في الدعاية السياسية، أو لتوجيه الرأي العام وصناعته على نحو مفبرك وبمعلومات مضللة ومن خلال ردود أفعال وآراء ومواقف مفتعلة، وبالتالي احتمالات تحريك الحشود على نحو سيئ يمكن استغلاله، ما يعني ضياع فرص قياس الحقيقة على كافة المستويات، سواء من حيث المعلومة من جهة، أو من حيث ردود الفعل الحقيقية للناس على المعطيات المطروحة في المجتمع.

برمجية DeepCom بوت من تطوير مجموعة مهندسين ومختبرات مايكروسوفت في الصين، تقوم على تحديد الموضوع الرئيس ليركز عليه الذكاء الاصطناعي وبالتالي يطلق تعليقاته في هذا الإطار. لقد أثارت هذه البرمجية الكثير من المخاوف لدى أوساط الباحثين، الذين طرحوا بدورهم مجموعة من الأسئلة الأخلاقية، والتي تدور حول ما «سيحدث عندما يصبح هذا النوع من الأدوات أكثر كفاءة وقادرة على خلق تعليقات موثوقة تستطيع خداع القارئ البشري».

وبينما كنا نعاني في وقت مضى من مسألة بيع المتابعين الوهميين على مواقع التواصل الاجتماعي، بات الأمر أكثر خطورة اليوم من خلال ظهور ما يسمى «جيش المياه»، Internet Water Army، والتي تعمل على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حسب الطلب مقابل المال، بمعنى أنهم ومن خلال اعتمادهم على البرمجيات الحديثة فإنهم يشكلون كتيبة إلكترونية ضخمة، ويزيد من تعقيد الأمر سوءاً ضخامة ما يمكنهم بثه ونشره عبر تلك البرمجيات الخبيثة الجديدة.

* اختلاج النبض:

كثير من التطورات الهائلة والتقنيات الجديدة باتت تضرب مصداقية البشر في العمق، وتجعل من المحتوى الإعلامي والإلكتروني مثار شك وجدل وريبة، كما يبعث على الشك أيضاً في عموم البنية المعرفية، ما يجعل معرفتنا كلها خاوية على عروشها بحيث يصعب التمييز بين صالحها وخبيثها، حقيقتها وفبركتها.