قد يكتب لك القدر أن تكون في موقع سلطة، في عائلتك، أو في عملك، وحتى في مجتمعك من خلال تجمعاتك الاجتماعية.

السلطة تعطيك كثيراً من الأمور، أهمها أن الناس تستمع لك، وقد تكون في موقع يلزمها بتنفيذ توجيهاتك وأوامرك، طبعاً بعضهم سينفذها رغماً عنهم لأن التراتبية تقتضي ذلك، وأقول رغماً عنهم، لأنهم ربما يختلفون في الرأي لكن واجبهم التنفيذ.

السلطة أمر مخيف، لأنها سلاح ذو حدين، إساءة استخدامها تحول الإنسان إلى شبيه بالوحوش، بلا رحمة، وبلا هامش للمناورة، وتمنحه القدرة على التحكم في جزئيات من مصائر الناس، أخطرها مصائرهم الوظيفية.

قليلون ممن «يتعوذون» من السلطة، قليلون ممن يخافون من «الكرسي» حينما يكتب لهم الجلوس عليه، قليلون يدركون أن امتلاك هذه القوة قد تعني أنهم سيتغيرون، وأن كثيراً ممن تحولوا من بشر إلى وحوش وفراعنة وأمثلة للديكتاتورية، قد تكون بداياتهم عادية كبشر عاديين، لكنهم كانوا فريسة سهلة أمام إغراءات المنصب ومزاياه وأولهم القوة والنفوذ.

مع ذلك، فإن المجال مفتوح لمن يريد مراجعة نفسه وتصحيح مساره، مثلما فتح الله سبحانه تعالى باب التوبة، فإن كل شخص لديه الفرصة للتكفير عن ذنوب ارتكبها باسم «السلطة» و«المنصب» ونفوذهما.

دائماً ما أقول إن حياتنا وما يحصل فيها هي «سبب ونتيجة»، ما تفعله يعود عليك بطرق مباشرة أو غير مباشرة، ما تزرعه من خير حتماً ستحصد ثماره، إن لم يكن في الدنيا عبر دعوات الناس الصادقة لك، أو تحقيق مزيد من المكاسب والخير، فإن في الآخرة رصيداً من الحسنات لن ينساها الله لك، هذا إن كنت ممن يؤمنون بالدين فعلاً لا قولاً. والعكس صحيح، ما تزرعه من شر قد تجد حصاده بشكل مباشر عبر دعوات الناس عليك، وعبر عقاب يبتليك الله به في جسدك أو أعز ما تملك، ناهيك عن أن الحساب عسير في الآخرة، فالله سبحانه وتعالى يكره الظلم والظالمين.

إن كنت صاحب سلطة ونفوذ وقوة إدارية، لا تفكر أبدا بإيذاء الآخرين عبر استخدام هذه القوة، لا تظن أنه «لن يقدر عليك أحد»، لا تفكر بسلطة بشرية أكبر منك، بل فكر أولاً بالمولى عز وجل، هذا الذي بيده أن يأخذ روحك في لحظتها ويجردك من كل شيء.

أعرف نماذج متقدمة جداً في إيذاء البشر، لذتها ومتعتها في صناعة الألم والحزن والتعاسة للآخرين، يحولون حياتهم لجحيم مهني، يفكرون بألف طريقة وطريقة لإيذاء الناس ومنع حقوقهم وتثبيطهم وقتلهم مهنياً، في المقابل ستجد أنهم يطوعون السلطة لاستخدامها لمصلحة من يعتبرونهم حاشية لديهم أو بطانة أو محسوبين عليهم في مواقع العمل.

نؤذي الناس باسم السلطة والقوة ونفوذ المنصب، رغم أنه بإمكاننا وبكل بساطة أن نقيم ميزان العدالة في عملية الحكم والتقييم، رغم أنه بإمكاننا أن نصنع الخير لهم إن كانوا يستحقون، ونكف الأذى عنهم والألم حتى لو استحقوه.

لا تؤذوا البشر وهم لا يستحقون الأذى، وإن مكنتك قدرتك من ظلم الناس، فلا تنسَ قدرة الله عليك.