دائماً نقول إن البلد في وقت الأزمات يحتاج إلى وقفة أبنائه المخلصين، لأن الأصالة والانتماء والوطنية لا تبرز في شكلها الحقيقي إلا حينما يتعرض الوطن للتهديد ويتم استهداف أمنه وسلامة مواطنيه.

والتاريخ يبين دائماً، وفي مواقع عديدة، أن في وقت الأزمات، وبالأخص الإنسانية منها، هناك «متكسبون» يبحثون دائماً عن مصلحتهم وزيادة مكاسبهم، مستغلين الأوضاع الحرجة والظروف، وما يمر به الناس.

واليوم حينما نتحدث عن جهود الدولة في مكافحة تفشي فيروس كورونا، نرى عمليات عديدة تمت، وقرارات كثيرة صدرت، كلها تهدف إلى خدمة المواطن والمقيم وتسهيل الحياة عليهم، مثل العمل من المنزل، وتأجيل القروض لستة أشهر دون رسوم أو أرباح، وتشديد الرقابة على رفع الأسعار.

كلها جهود تهدف لخدمة المواطن والتسهيل عليه من قبل الدولة، وكلها إجراءات تمت بتوجيهات من جلالة الملك حفظه الله، وتتابعها الحكومة برئاسة سمو رئيس الوزراء، ويقوم عليها فريق البحرين برئاسة سمو ولي العهد، بمعنى أن الدولة قامت بتهيئة كافة الظروف للتسهيل على المواطن وعلى المقيم.

لكن المؤسف في الأمر، هي الظاهرة التي تجعلني أعود لمصطلح «متكسبي الأزمات» الذي أشرنا له في بداية السطور، خاصة ممن يحاولون الاستفادة الشخصية على حساب ما تمر به البلاد، وما يحتاج إليه الناس.

نعم، أتحدث عن نماذج مخجلة من التجار الذين كشفتهم الدولة عبر رقابتها وتفتيشها لمخازنهم ومستودعاتهم، لتكتشف عملية تكديس مخيفة للمواد الغذائية، الأمر الذي أدى لارتفاع في الأسعار، إضافة لاكتشاف كميات من المواد الغذائية المنتهية، والتي لو لم تضبط فإنه بالتأكيد سيتم تسويقها بشكل ما وبطريقة تخدع الناس، وعليه سيتضررون منها صحياً.

مؤسف هذا الوضع بالفعل، إذ فجأة وقبيل عملية الإغلاق الرسمية للمحلات تفاجأ الناس بارتفاع في أسعار المواد الغذائية بالأخص الخضروات والفواكه، وتمت ملاحظة شح في بعض المواد، رغم تأكيدات الدولة بوجود اكتفاء في التموين الغذائي، الأمر الذي لا يستدعي تهافت المواطنين والمقيمين على الشراء والتكدس في المحلات، فما الذي حصل؟!

بالمنطق، هناك لا بد من عملية احتكار، ولا بد من عملية إخفاء للسلع، ومحاولة لرفع الأسعار من خلال قلة المعروض وكثرة الطلب، وهو الأمر الذي جعل الناس يتكلمون ويعبرون عن استيائهم، بل نجح المواطنون في كشف عمليات الزيادة عبر مقاطع وفيديوهات عرضت، وساهم الإعلام والصحافة في نقل صوت الناس، وطرح التساؤلات بشأن ما يحدث.

والحمدلله تكلل هذا الحراك الشعبي، بتحرك الحكومة وصدور التوجيهات الواضحة من قبل رئيس الوزراء، لحماية الناس من هذه العمليات، وبالفعل تم اكتشاف حالات لتكديس المواد الغذائية وإخفائها، ووصلت الأمور لتحرك النيابة العامة وضبطها لهذه الممارسات المخجلة.

الشاهد فيما نقول هنا، بأنه معيب جداً على أي تاجر محاولة الاستفادة على ظهر المواطن، واستغلال الوضع الراهن وحاجة الناس ليضاعف مكاسبه عبر التحايل والالتفاف على الوضع الطبيعي الذي كان قائماً.

بعض الناس كان يوجه كلامه للتجار بضرورة المساهمة مع الدولة وتحمل المسؤولية تجاه المجتمع، من خلال التبرع انطلاقاً من الحس الوطني، رغم جدلية مسألة «إلزام» التاجر بفعل ذلك، وهذا الأمر كتبت سابقاً أنه يعود لإحساس الشخص نفسه، ومع ذلك لسنا ممن يلوم الذي لا يقوم بمبادرات، لكننا نقول بأنه معيب ومخجل ومؤسف ما فعله البعض من محاولة «التكسب» على حساب الناس واستغلال الظروف للمنفعة الشخصية، وهنا خيراً فعلت الحكومة حين تحركت بجدية وصرامة لتحمي الناس من هؤلاء، والجيد أن الناس عرفوا اليوم من يحاول استغلالهم، ومن يحاول أن يخدمهم ويسهم بوطنية في التعامل مع هذه الأزمة.

الأزمات دائماً ما تكشف المعادن، وأجمل ما تكشفه معدن الوطنيين المخلصين، وكيف تفرزهم ممن يقدمون مصلحتهم الشخصية على مصلحة بلادهم التي قدمت لهم كل شيء.