تحت عنوان خطير ولا يتناسب مع حجمها ورصانتها، نشرت مجلة الإيكونوميست تقريراً بعنوان «العصر الذهبي لأسواق الأوراق المالية يقترب من نهايته» وهو عنوان غير حقيقي وربما يعبّر عن واقع بعض الدول وليس كل العالم.
فقد قالت المجلة في تقريرها إن البنوك المركزية في «جميع» أنحاء العالم تقوم بتشديد السياسة النقدية بوتيرة لم نشهدها منذ جيل كامل، وأشارت إلى تحذير منسوب إلى محللين بوجود خطر الركود وانخفاض أرباح الشركات.
وتوقعت الإيكونوميست أن يتباطأ نمو أسواق الأوراق المالية نتيجة ما تدعيه بانعدام اليقين المحيط بالاستراتيجيات التجارية، وأدخلت أيضاً الأزمات الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم سبباً آخر، ثم أضافت ارتفاع معدلات الضرائب، وتقييد الإمكانات التحويلية للتكنولوجيات الناشئة.
ورداً على ما أسمته المجلة «انعدام اليقين بالاستراتيجيات التجارية»، فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد نمو التجارة بأنماط مختلفة عن الماضي، ويرجع السبب في ذلك إلى انتشار التجارة الإلكترونية التي أتاحت أسواقاً افتراضية لشركات تجارية استطاعت من خلالها أن تصل إلى عمق المستهلكين في شتى أنحاء العالم.
ولو ناقشنا الأزمات الجيوسياسية وأثرها على الاقتصاد، وعدنا إلى التاريخ، سنجد تلك الأزمات موجودة دائماً، بينما الحياة تسير والاقتصادات تنمو اطّراداً مع معدلات النمو السكاني العالمي والتطور التكنولوجي المؤثر بقوة في معدلات التجارة، ولربما تكون نظرة المجلة ضيقة لأنها تقارن مع أزمنة قصيرة ولدول غربية فقط.
وهذا الأمر يتضح بجلاء، عندما قالت المجلة إن أزمة الأسواق قد تتفاقم على خلفية الصراع التجاري بين أمريكا والصين، والحروب الأُخرى في أوكرانيا والشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا، وازدهار عملة البتكوين، حيث تنظر المجلة للأسواق من نظرة غربية بحتة، دون أن ترى أو تعترف بتفوق الصين على أمريكا، كما أنها تحاول تجنّب الحديث عن العقوبات الغربية على روسيا والتي ارتدّت سلباً على أوروبا وليس على العالم ككل.
وتؤكد المجلة أنه بالرغم من النجاحات الأخيرة التي حققتها سوق الأوراق المالية، فإنه ينبغي أن يستعد المستثمرون لمستقبل أكثر هدوءاً مقارنةً بـ«العصر الذهبي» الأخير، حيث لايزال النجاح التجاري غير مؤكد بالنسبة للعديد من الشركات، وهذه التوقعات والتأكيدات لا تعبّر إلا عن واقع غربي لا يمثلنا في الخليج ولا حتى قارة آسيا.
المجلة سلّطت الضوء على واقع الغرب دون الإشارة إلى عكس توقعاتها التي نشهدها في الشرق، فالاقتصاد الخليجي يعيش أزهى عصوره اليوم، والصين لا تعاني كما يحاول خبراء المجلة التلميح له فيما بين السطور، ونرى العديد من دول شرق آسيا تتقدّم إن لم تكن مستقرّة.
الخلاصة فيما ذكرته الإيكونوميست هو واقع غربي لا ينطبق على منطقتنا التي تشهد ازدهاراً يرسخ الثقة في أسواق الأوراق المالية والبنوك المركزية، وتحذير المجلة هذا لا أثر له على الواقع الذي يلمسه المجتمع ويمكن للخبراء الحديث عنه بالتفاصيل.