ضجة شعبية شهدتها الأيام الماضية، بعد أن نشر مواطن «فيديو» يبين الفارق الكبير بين السعر الموضوع على بعض السلع، وبين ما يسجله جهاز البيع عند «الكاشير».

الناس تفاعلت مع ذلك بشكل رهيب، وبدأ كثيرون بالمقارنات في عدد من المتاجر، والمفاجأة كانت بأن المسألة ليست مقصورة على محل واحد أو اثنين، بل هناك حالات عديدة كلها يمكن أن تصنف تحت مسمى «التلاعب في الأسعار».

كمواطن لا يهمني أي تبرير يصدر من المحلات، ولا حتى اعتذارات أو بيان أن هناك «أخطاء غير مقصودة»، إذ في النهاية بالنسبة لي هناك اختلاف في السعر المعروض وفي سعر البيع، وهو ما يعني أن هناك من يحاول «السرقة» من جيبي!

ولأننا في عصر انتشار المعلومة بسرعة فائقة، بالأخص مع تواجد وسائل التواصل الاجتماعي، التي مكنت الناس من التحول بأنفسهم لـ«إعلاميين» و«ناشرين» للمعلومة، فإن القضية وصلت لعموم أهل البحرين، وتفاعل معها الكثيرون، والإيجابي أن وزارة التجارة بادرت على الفور باتخاذ الإجراءات اللازمة سواء بإيقاف المحلات المخالفة أو تشديد الضوابط وتكثيف عمليات التفتيش.

ورغم ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: ماذا لو أن المواطن الذي نشر الفيديو الأول لم ينتبه إلى حساب مشترياته؟! وماذا لو أنه لم ينشر الفيديو على الملأ بهذه الطريقة؟! هل ستكون هناك إجراءات مشابهة لما شهدناه من قبل الجهات الرسمية؟!

نعم، «مشكورين» على الإجراءات السريعة التي قمتم بها، والتي إزاءها تم «امتصاص» غضب الناس ولو جزئياً، لكنني كمواطن أفكر اليوم ماذا لو لم تثر هذه القضية، ومن أثارها مواطن مثلي وليس مسؤولاً، هل كانت الأمور ستمضي كما هي عليه، وهل سيستمر الناس بدفع فروقات كبيرة في الأسعار، تضيع في الفاتورة النهائية، ولا يلاحظها أغلب الناس الذين لا ينتبهون لحساب مشترياتهم؟!

هناك تقصير واضح، معه لا يجب التساهل، وأذكر أننا حينما تكلمنا قبل فترات عديدة عن «حماية المستهلك»، اتضح أن الإدارة المعنية بعملية الرقابة تعاني من «نقص موظفين»، ما يجعلها في تحدٍّ أمام متابعة السوق وعمليات التلاعب في الأسعار.

وعليه حينما أقرأ تصريحات لبعض النواب يلومون فيها وزارة الصناعة، وحماية المستهلك، أقول إن الحوادث الأخيرة تنقلنا من مرحلة «اللوم» و«تبادل تحمل المسؤولية»، إلى مرحلة وضع حلول جذرية لأن المتضرر المواطن، ولو طال النقاش والأخذ والرد بين السلطة التنفيذية المختصة وبين السلطة التشريعية، فإن الوضع السيئ سيستمر، والمتضرر هو المواطن.

بالتالي حينما يشير بعض النواب إلى القصور هنا، فإننا نطالبهم بأن يعدلونه عبر المطالبة بتقوية الجهاز الرقابي على الأسعار من ناحية عدد الموظفين ورفع مستوى صلاحياتهم، وهو الأمر الذي يفترض أن نخرج به من هذه التجربة كدرس.

لكن في جانب آخر، لا بد من توثيق ما حصل، باعتباره «انتصاراً» للمواطن الواعي، الذي يعرف حقوقه وواجباته، واستفاد من موارده المتاحة وأدواته ليثير قضية تمسه وليحرك معها الرأي العام، وليفرض على الجهات المسؤولة «التعامل السريع» لاحتواء الموضوع ولإحقاق الحق ولتطبيق القانون، لأنها لو لم تفعل، أو تباطأت في اتخاذ اللازم، لأخلت بواجبها تجاه المواطن.

أما بالنسبة لمن يتلاعب بالأسعار «عن قصد»، فهو مطالب بتقديم اعتذار علني للناس، والبحث عن آلية يعوضهم فيها، إذ قبل الحالة التي اكتشف فيها المواطن «التلاعب» في السعر، كم حالة مرت عليها العملية دون أن تنتبه، ودفعت أسعاراً أكثر دون وجه حق؟!

أكرر هنا، بأنني كمواطن لا تهمني «تبريراتك»، ولا يهمني إن كانت العملية «عن قصد» أو ناجمة «عن خطأ فني»، أنت يا تاجر سرقت من جيبي وجيب غيري، بالتالي تعاملك مع القانون.

هذه قضية انتصر فيها المواطن بحسن تصرفه، وبتوجيه الانتقاد المباشر المدعم بالأدلة، لم يحتج فيها إلى نواب، ولا إلى صحافة، ونجح في دفع الحكومة للتفاعل معه بسرعة خارقة.