من مظاهر وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها بعد موتها، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول: 'اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنها كانت تُحب خديجة'. وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكن يسأم من ثناء عليها واستغفار لها. وكان عليه الصلاة والسلام وفياً لصاحبه الصديق ومنزلته فقال: 'ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه، ما خلا أبابكر، فإن له عندنا يداً يُكافيه الله بها يوم القيامة'. الحديث عن الوفاء حديث ذو شجون، حديث القلب إلى القلب، حديث يتناغم مع ذكريات الحياة ومشاعر النفس وأطياف الأمل. فالوفاء هو الحُب الحقيقي النابع من قلب يعشق العيش بسلام، ويعشق أن يتواصل مع أصحاب الفضل، وأصحاب الأثر الجميل، وأولئك الذين عاش معهم ليتذوق معاني الخير وأجور الآخرة.

ومن صور الوفاء تلك المتعلقة بالوفاء الأخوي، فعندما تتمازج المشاعر في اللقاءات الأخوية التي عاشت من أجل الله تعالى، وعملت لآخرتها، واستظلت بظلال الأعمال الإنسانية والخيرية والاجتماعية، من أجل أن تستظل يوم القيامة تحت ظل عرش الرحمن سبحانه وتعالى، فإن المرء حينها تتجمّل حياته بالسعادة، وتجعله تلك الأحاسيس يشتاق للقاء من يُحب، ولقاء من جمعته بهم أجمل لحظات العمر، وسخروا حياتهم لعمل الخير ومازالوا. شدّني التواصل الجميل للوالد والأستاذ والمُربي العزيز الأستاذ محمود عبدالغفار (بوأحمد) ـ شافاه الله وعافاه ـ فهو يحرص على التواصل مع من يُحب، ويكتب رسائل من شجون الحياة ما يجعلك تتحفز مُجدداً لعمل الخير الذي لربما قصرت فيه، أو ألهتك ظروف الحياة عن المضي قُدماً في خطواته. يحرص أستاذنا محمود على أن يكون متواجداً في أغلب المجالس، وعلى التواجد في اللقاءات التي تجمعه بأصحابه وأحبابه وإن صغروا في السن، بل وتجده بروح شبابية مرحة، تستمتع بأحاديث الزمن الجميل، وبتلك المواقف التي يحكيها لك وكأنه يشاهدها الآن. فهو يوثق حفظه الله الذكريات بأسلوب جميل يشدك لتكون بجانبه، وتحرص على أن تتواجد في المجلس الذي يزوره. على الرغم من المرض الذي ألمّ به مؤخراً إلا أنك تجد ابتسامة الرضا على وجهه فهو لا تفارقه أبداً، بل ويخدمك بمجرد أن يُحس بأنك محتاج لأمر سألته عنه من باب معرفة مكان بيعه. سبق أن كتبت عن أستاذي القدير، ولكن لا تكفي السطور أن توفيه حقه، فهم مثال حيّ للوفاء، يجعلك تخجل من نفسك عندما تقصر في حق من تُحب. التقيته مؤخراً في لقاء أخوي جميل مع أحباب لي في الله تعالى عشقت نفوسهم الجميلة في أيام جميلة التقينا فيها من أجل خدمة كتاب الله، فأجاب الدعوة وتحامل على نفسه للحضور، ولم ينسَ تلك اللقيمات التي اعتاد أن يشتريها لإخوانه كلما التقى بهم. هكذا هي النفوس الراضية الجميلة الوفية تشتاق للتواصل معها هاتفياً وبالرسائل النصية، وباللقاء الجميل الذي يبقى في الذاكرة مدى الحياة. اللهم أمد في عمر الأستاذ محمود في طاعتك، وألبسه لباس الصحة والعافية وشافه من مرضه شفاءً عاجلاً لا يُغادر سقماً.

ومن صور الوفاء تلك المحبة الصادقة التي تتلقاها في مُحيط عملك، عندما يُقابلك الأوفاء بروح صادقة مُحبة وبرسالة (وفاء) تُهنيك على محطاتك الجديدة، وعلى خطوات جديدة في حياتك، وتفرح لك كما لو أن الحدث الجميل حدث لشخصها، وتبعث لك بباقات محبة وبسطور جميلة تتمنى لك الخير (ربي يوفقك لكل خير ويجعل قدمك مُباركة أينما كنت). صور من الوفاء تصادفك في أيام المسير، وتكشف لك عمق المحبة من البعض، وتفوز بدعواتهم الصادقة في ظهر الغيب منهم، وتبادل معهم المشاعر، وتحس بأن هناك من يُحب أثرك وشخصك، وحينها تحمد الله عز وجل أن اصطفى لك من خلقه من يذكرك بالخير ويتواصل معك.

ومن صور الوفاء من أهلك عندما تجد ذلك التقدير والتوقير والاحترام من أفراد أسرتك ومن ذريتك، فيعملون على أن يردوا وفاء التربية عند الكبر لآبائهم، فيسعون ليكونوا شخصيات متميزة في حياتهم يُشار إليهم بالبنان، وأن يكونوا أبناءً بررة يخشون المولى الكريم في أيام حياتهم، ويقتفون آثر من ضحوا حياتهم من أجلهم، ليكونوا بلسم الحياة في حياة الآخرين، وأثراً مُستداماً في خدمة الإنسانية جمعاء. أما أثر العائلة فعندما تجد من يُقابلك بالكلمة الطيبة ويمسح على قلبك بالطمأنينة، ويرسم على وجهك الابتسامة، فهو يُقدر عطاءات الحياة، وعندما تأتي ساعة الوفاء، فهو لا يتردد لحظة واحدة بأن يكون بقربك، وأن يُصاحبك في كل رحلات العمر، لأنه يعرف من تكون، وكيف سيكون أثرك الطيب في المكان.

ومضة أمل:

يعشقون مواقف الحياة التي تُحبها، فيرسمون أمامك أجمل صور الأمل.