قبل أسابيع عدتُ من زيارة إلى الغالية على قلبي، أم الدنيا، حيث أنهيت بعض مشاريع الأعمال الخاصة بي، وقد أتيح لي الوقت أن أزور أحد المعالم السياحية في القاهرة والمحببة لي، خان الخليلي، حيث تتلمس عبق التاريخ وشهامة المصريين، أبناء البلد الأصلاء. وخلال تواجدي في أحد المحلات؛ لفت انتباهي رجل ستيني يحاول أن يسترق السمع لحديثي مع مرافقتي في الرحلة، ولا أخفيكم أنني توجست منه خيفة، إلا أنه اقترب سريعاً وبادرني بسؤال «انت من البحرين؟!»، رددت عليه أي، ولا يزال الخوف يتملكني، وسألته «شلون عرفت»، وفجأة تغيرت ملامح وجهه وقفز الفرح من عينيه «أنا عشت في البحرين 15 سنة، وعارفها حِته حِته، الله على أيام البحرين وجمال أهلها وطيبتهم».وبدأ يسرد بفرح ملحوظ ذكرياته سنوات إقامته في البحرين، مستذكراً المحرق القديمة، حيث كان يقيم والمنامة بكل تفاصيلها، وكأنه لم يغادرها أصلاً، بل لا أنكركم أنه يعرف بعض الأماكن في المحرق والمنامة أكثر مني، إلى جانب علاقاته بالعديد من العائلات البحرينية وكيف تطورت إلى صداقات عميقة لا تزال قائمة إلى اليوم، رغم أنه عاد إلى مصر منذ أكثر من عشر سنوات.ومع سرده مزيداً من التفاصيل والحكايات والذكريات، شرد ذهني إلى مكان آخر؛ كم عدد الأشخاص الذين عاشوا في البحرين وعادوا إلى أوطانهم محملين بهذا الكم من الذكريات والمحبة والحنين للبحرين؟!البحرين، ومنذ أكثر من مئة عام استقبلت وودعت عشرات الآلاف من مختلف دول العالم، جاؤوا إلى البحرين وعملوا فيها لسنوات طويلة، وعادوا إلى أوطانهم محملين بمحبة هذا الوطن وأهله، كما حملوا معهم ذكريات سنوات طويلة، حيث أثروا وتأثروا بقيمنا وعاداتنا وثقافتنا، ولا زال الحنين يملأ قلوبهم. هناك الآلاف من أشقائنا العرب وضيوفنا الأجانب عاشوا سنوات في البحرين، كثير منهم عادوا إلى أوطانهم، ولكن سحر البحرين لا يزال يسكنهم، حين تقابلهم تحس بوهج الاشتياق والمحبة في أعينهم لبلد أعطاهم الأمن والأمان والاستقرار، فظلوا على درب الوفاء والمحبة له.للأسف الشديد لم ننتبه لهذه الفئة؛ ولم نخطط للاستفادة منهم كقوة ناعمة ومؤثرة في تعريف العالم بالبحرين، ثقافة وتراثاً وعادات، لم نفكر في تأسيس أندية أو جمعيات شعبية تجمع العاملين السابقين في هذه الدول، ليكونوا حلقة وصل بين البحرين ودولهم، فهم الأقدر على ذلك لأنهم عرفوا البحرين وتعايشوا مع أهلها.أختم مقالتي هذه بدعوة لسعادة وزير الخارجية للاستفادة من هذه الطاقات، والتنسيق مع سفاراتنا حول العالم لتشكيل روابط أو جمعيات من العاملين السابقين في البحرين، فهم الصوت الصادق والقوة الناعمة الحقيقية والنافذة الشعبية للبحرين على العالم.