رحلتَ عن هذه الحياة فكسرت قلوباً وأوجعتَ أرواحاً، كان الجميع ينتظر شفاءك وعودتك، ولكن روحك الطيبة أبت إلا أن تُسلّم نفسها لبارئها وترتقي عند الرفيق الأعلى لحياة أجمل وأبقى.
وداعٌ مهيب وجنازة كبيرة وجموع غفيرة حضرت لتوديعك إلى مثواك الأخير، فمنهم من كان يبكيك بحرقة وألم، ومنهم من كان محزوناً لا يملك كلامًا للتعبير في ذلك المقام، وبين هذا وذاك كانت الدعوات الطيبة تغشى جنازتك وتتضرع إلى الله عز وجلّ وتدعو لك بالرحمة والمغفرة.
تركت خلفك قلوباً وأحبةً وإخوةً محزونين على فراقك، وآخرين هم رفاق دربك ممن خاضوا معك مواقف عديدة لسنوات طويلة أثبتت معدنك النقي وأصلك الطيب وتربيتك الصالحة، رحلت وتركت خلفك ذكرى طيبة السيرة والتي لن ترحل من سجل الشخصيات الاستثنائية التي لن تُنسى، فهنيئاً لك هذه الخاتمة، تركت كل شيء لله فاختار الله لك حياةً باقية لا موت بعدها ولا نصب ولا كدر، ونعيماً مقيماً في جنّة عرضُها السماوات والأرض بإذنه تعالى، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
كنت رمزاً للإيجابية بتلك الابتسامة العفوية التي كانت مرآة لما تحمله في قلبك من خير وصلاح، فهكذا هم الأنقياء مقبولون في الأرض، وجوههم نيّرة، وابتسامتهم عفوية، أينما حلّو حلّت السعادة والإيجابية، يزينهم حُسن الخلق والتعامل المؤثر الذي يترك بصمة لا تزول، يتعاملون بالتواضع مع الجميع ولا يترفّعون لأنهم يؤمنون بأنه من تواضع لله رفعه، يتركون أثراً أينما حلّوا، تشعر بأنك تعرفهم منذ زمن بعيد ولو كنت لا تعرفهم حق المعرفة، تشعر بالراحة عند رؤيتهم أو عند التعامل والتواصل معهم، تركت إرثاً ثميناً ودروساً قيّمة في مهارات التعامل بالإحسان مع الآخرين وكيف يمكن لأي شخص أن يكون سبباً في الخير وعوناً لمن حوله في أي موقع يكون، فهنيئاً لك تلك البذور الطيبة التي غرستها في حياتك والتي ستظل تنمو وتُثمرُ وتُزهر دون أن تذبل أو تفنى بإذنه تعالى، فهل هناك أجمل من هكذا أثر!
وختاماً؛ أسأل الله أن يكتُبنا جميعاً عنده ممن يتركون الأثر الطيب في هذه الحياة وفي قلوب الجميع، فما حياتنا هذه إلا أيامٌ معدودات، فإما أن نحيا فيها ونرحل دون أن يذكرنا أحد بخير أو بدعوة طيبة وكأننا لم نكن، وإما أن نترك لنا أثراً طيباً ومثمراً ليظل متجذراً في هذه الأرض التي منها خلقنا وإليها راجعون.
نسأل الله للدكتور يوسف محمد الرحمة والمغفرة وأن يجعله في علّيين، وأن يُنزلهُ منازل الصديقين والشهداء والمرسلين وحسُن أولئك رفيقاً، والدعاء موصول لأهل الفقيد وأحبابه، نسأل الله بأن يُفرغ عليهم من الصبر الجميل، وأن ينزل عليهم من السكينة ما يثبّت به فؤادهم إنه القادر على ذلك.