محمد درويش

«ليالي المحرق» هذه التظاهرة الثقافية والفنية والترفيهية التي جاءت لتتفوق وبجدارة على جميع الفعاليات الأخرى حتى اللحظة أبهرت الزوار وأسعدتهم. هي ليالٍ ساحرة امتزج فيها برد الشتاء - الذي فاجأنا مشكوراً بقدومه المبكر - بمناظر الأزقة والبيوت القديمة وبأصوات النهمة واليامال وأهازيج الأفراح وبرائحة البخور وروائح تحضير حلوى شويطر والسمبوسة الحلوة والمتاي. وهي ليالٍ انفتحت فيها الشهية للتبضع من الدكاكين الصغيرة في سوق القيصرية تماماً مثل ما انفتحت شهية تذوق ما لذ وطاب من المحال المتناثرة في سوق المحرق والأزقة المحيطة بها.

أجواء مهرجان «ليالي المحرق» الذي تنظمه هيئة البحرين للثقافة والآثار ويتيح للزائر أن يتجول في موقع التراث العالمي (مسار اللؤلؤ) ليطلع على ملامح العمارة لمدينة المحرق القديمة وليتعرف عن قرب على عصر صيد اللؤلؤ في البحرين تعد أجواءً مختلفة لم نشهد لها مثيل من حيث الحيوية والتنوع والمزج بين الماضي والحاضر ومختلف أنواع الفنون.

هذا بالإضافة إلى كم معقول من المعلومات التاريخية التي تقدمه جولة «مسار اللؤلؤ» للراغب في التعرف أكثر على مهنة الأجداد.

ويلحظ المرء تواجداً مكثفاً للشباب من الجنسين خلال فترة المهرجان الذين يضفون نشاطاً وبهجة لبرامج «الليالي» وكذلك للعائلات حضورهم فنراهم يتنقلون بين الساحات والأزقة وهم في غاية السرور والتناغم مع ما يجري حولها.

وأعتقد أن النجاح المبهر لمهرجان «ليالي المحرق» يعود إلى الموقع الذي يقام فيه، فالحركة والتجوال بين البيوت والطرقات القديمة تجربة لا تتكرر في المهرجانات الأخرى، هذا بالإضافة إلى التجديدات التي طرأت على المكان من ترميم متقن ولوحات جدارية مرسومة بإبداع ومزروعات خضراء تزين الزوايا و التي تعد كلها بمثابة تغذية بصرية متكاملة تمتّع النظر.

والحديث عن «ليالي المحرق» يدفعني إلى تقديم الشكر الكبير لطاقم الهيئة السابق الذي وضع اللبنة الأولى لمشروع (مسار اللؤلؤ) العالمي في عام 2011 وأشرف على تنفيذه والذي يعود له الفضل في إهداء البحرين وأهلها موقعاً أخاذاً وبديعاً يعد مبعثاً للفخر والاعتزاز.

كما أشكر القائمين على الهيئة حالياً الذين حرصوا على تنظيم مهرجان «ليالي المحرق» في موقع «مسار اللؤلؤ» والذين نجحوا للموسم الثالث على التوالي في جذب الناس من كل مكان.

وأتمنى أن تحظى العاصمة المنامة ومناطقها القديمة بنفس القدر من الاهتمام الذي حصلت عليه المحرق العريقة، فالمنامة اليوم بحاجة إلى لمسات مشابهة من الإبداع وكثير من الترميم لبيوتها وعماراتها وأسواقها كي تعود مشرقة ومتألقة كما كانت.

ولعل متحف شركة يوسف بن أحمد كانو الأنيق والذي يحتل موقعاً مهماً في بدايات سوق المنامة وحكي قصة عائلة كانو الكريمة مع التجارة - والمؤمل افتتاحه خلال الربع الأول من العام المقبل 2025 - سيكون خطوة إيجابية في هذا الاتجاه.