في مشهدٍ يثير الاشمئزاز أكثر من الضحك، تحول حساب «خوش مقابلات» على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي بدأ كمنصة تقدم محتوى مفيداً للشباب، إلى حسابٍ هابطٍ كغيره من الحسابات التي تسعى وراء الترند على حساب القيم والأخلاقيات.

ففي إحدى مقابلاته الأخيرة، ظهر شخص لا يملك شيئاً بمعنى الكلمة، لا المؤهلات الفكرية، ولا الأخلاقية، ولا حتى الحياء، ما يبرر ظهوره للجمهور، لينطق بجملة صادمة وغير لائقة: «مريم رفيقتي». هذه العبارة، التي قد تبدو للبعض عفوية، كانت انعكاساً لانحدار الذوق العام وتشويهاً لمفهوم الفكاهة، مما أثار استياءً واسعاً بين أفراد المجتمع.

ما حدث يمثل انتهاكاً صارخاً للقيم التي نص عليها دستور مملكة البحرين. المادة (4) من الدستور تُلزم الجهات الرسمية والمجتمع بحماية القيم الدينية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة. فكيف يُسمح لحساب يُفترض أنه مرخّص ومسؤول بأن يُفضل التفاعل والترند الهابط على أخلاقيات العمل واحترام الجمهور؟ هذا السلوك لا يمكن وصفه إلا بعدم احترامٍ للمجتمع، الذي يُفترض أن يُعزز محتوى يُثري الفكر والقيم بدلاً من نشر التفاهة والانحلال الأخلاقي.

كتاب «سيكولوجية الجماهير» يُوضح كيف أن الجماهير بطبيعتها تنجرف بسهولة وراء الأفكار السطحية والعاطفية دون تفكير عميق. وقد استغل الحساب هذه الظاهرة النفسية، مُعتمداً على «العدوى النفسية»، التي تجعل الجماهير تتفاعل بشكلٍ جماعي مع أي محتوى يُثير مشاعرها، حتى لو كان تافهاً. المؤسف أن هذا السلوك لم يتوقف عند حدود الحساب، بل تجاوزه إلى شريحةٍ من المجتمع دعمت هذه السطحية، وذهبت إلى حد تقديم الدعم والهدايا للشخص الذي كان مصدراً لهذه المهزلة، مما يُظهر تواطؤاً واضحاً مع الانحدار الأخلاقي تحت ستار الفكاهة أو السخرية.

لكن المسؤولية لا تقع فقط على هذا الحساب أو تلك الشخصية السطحية؛ الجهات الرسمية، مثل النيابة العامة ووزارة الإعلام، مطالبةٌ باتخاذ إجراءاتٍ رادعة لضمان عدم تكرار هذه السلوكيات التي تهدد نسيج المجتمع. إن ترك المجال مفتوحاً أمام هذا النوع من المحتوى يعني السماح بمزيدٍ من الانحلال الأخلاقي الذي يضر بالأفراد والمجتمع ككل.

أما المجتمع، فعليه أن يدرك أن دعم الشخصيات التافهة يُعد مشاركةً مباشرةً في هدم القيم الأخلاقية والاجتماعية. وكما أشار لوبون، «الحشرات لا تنتشر إلا في بيئة ملوثة». وهكذا، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لتكاثر الشخصيات التي تبحث عن الشهرة بأي وسيلة، حتى وإن كانت على حساب القيم.

ما نحتاجه اليوم هو وقفة جادة تُعيد ترتيب أولوياتنا كمجتمع. يجب أن ندرك أن الحفاظ على قيمنا وتقاليدنا يبدأ من رفض هذه السلوكيات بشكلٍ قاطع، ودعم المحتوى الهادف الذي يُثري الفكر ويحترم التقاليد. التفاهة ليست فكاهة، والانحدار الأخلاقي ليس وسيلةً للضحك أو التسلية. وختاماً، حماية المجتمع من هذه الظواهر مسؤولية الجميع.