في كل محطة من محطات التطور الوطني، تجدد قيادة الحكيمة لجلالة الملك المعظم التأكيد على رؤية متكاملة تجمع بين التنمية المستدامة والاعتزاز بالهوية الثقافية، والتي تجلت في اللقاءات الملكية الأخيرة، التي جمعت حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم مع صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وعدد من كبار المسؤولين في الدولة جسدت هذه الرؤية بوضوح.

من جهة، تتجلى إنجازات البحرين التنموية في مشاريع كبرى مثل تحديث مصفاة بابكو، التي تعزز مكانة المملكة الاقتصادية وتوفر فرص عمل نوعية لأبنائها، كذلك افتتاح منتجع حوار الذي يفتح آفاقاً جديدة للسياحة كقطاع واعد يسهم في تنويع الاقتصاد الوطني؛ حيث تشكل هذه المشاريع تعبير عن طموح البحرين للوصول إلى مستويات ريادية في مختلف المجالات، إلى جانب كونها مبادرات تنموية تسهم في تعزيز مكانة المملكة إقليمياً وعالمياً.

وفي ذات الوقت، يحظى التراث البحريني باهتمام ملكي كبير، إذ يُعتبر جزءاً أصيلاً من ثقافة الشعب وثروة وطنية لا تقل أهمية عن الإنجازات المادية، فمهرجان ليالي المحرق، الذي أقيم وسط المدينة التاريخية وعلى امتداد مسار اللؤلؤ المسجل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، يعكس كيف يمكن للتراث أن يكون وسيلة لتعزيز الهوية الثقافية وتعميق الانتماء الوطني، مع فتح نوافذ جديدة للسياحة الثقافية.

ما يميز الرؤية الملكية هو التكامل بين الأصالة والمعاصرة؛ فالبحرين، كدولة ومجتمع، لا تسعى فقط للحفاظ على موروثها الثقافي؛ بل تعمل على نقله إلى الأجيال القادمة بأسلوب حديث يواكب العصر، مما يضمن استدامته كإرث حضاري وثروة وطنية ذات أبعاد ثقافية واقتصادية.

من خلال هذا النهج، تصبح المشاريع التنموية والتقاليد الأصيلة وجهين لعملة واحدة، حيث تساهم التنمية في تعزيز جودة الحياة، فيما يعمل التراث على غرس القيم الثقافية والإنسانية التي تشكل هوية البحرين. هذه الرؤية المتكاملة تجعل من البحرين نموذجًا يحتذى به في كيفية المزج بين التطور الحديث والاعتزاز بالجذور.

وقد جاءت الإشادة الملكية بدور أهالي المحرق الكرام في صون تراث البحرين التقليدي، خصوصاً مهن الغوص وصيد اللؤلؤ، بمثابة دعوة لاستمرار هذا العطاء الثقافي، فهذه المهن التي كانت يوماً مورد رزق أصبحت اليوم جزءاً من هوية البحرين وشواهد على عراقة هذه الأرض.

لكن الحفاظ على التراث لا يعني التمسك بالماضي فقط، بل يستدعي توظيفه بشكل حضاري في الحاضر والمستقبل، فالمزج بين الثقافة والسياحة والفن، كما شهدناه في مهرجان ليالي المحرق، هو النموذج الأمثل لاستدامة التراث وتحويله إلى ثروة وطنية تسهم في تعزيز مكانة البحرين كوجهة سياحية وثقافية عالمية.

في العام الجديد، تستعد مملكة البحرين لمواصلة مسيرتها المتميزة، حيث تبقى الوحدة الوطنية، والاعتزاز بالتراث، والرؤية الطموحة هي الركائز الأساسية التي تقود المملكة نحو مستقبل أكثر إشراقاً.