بدر علي قمبر

هناك العديد من المواقف ومحطات الحياة التي تمر علينا في مسيرتنا، وقد أسميتها «جماليات» لأنها بالفعل تضيف إلى حياتنا جمالاً ورونقاً وبهاءً وسعادة، وتنقلنا من بعض الأصداء الخافتة والسلبية، إلى أصداء منيرة ومبهرة، تغيّر أحوالنا المتزعزعة، وتزيل عثرات همومنا، وانشغالاتنا أحياناً بالتوافه. فتكون أيامنا الحاضرة والمقبلة على أفضل ما يرام، إن أحسنا السير فيها بإخلاص ومراقبة لله عز وجل، وعرفنا معنى «القرب منه»، وأتقنّا تنفيذ ما تعلمناه في حياتنا. بالفعل، الحياة مليئة بالجماليات التي ينبغي أن نكون من أهلها، وأن نتعلم كيف نستثمرها بصورة سليمة، وألّا نعود إلى الوراء أو نتمسك بأمور مرّت بنا سابقًا وقد أسأنا فهمها، وآن الأوان أن نضع لها حداً فاصلاً، حتى نتمكن من الاستمتاع حقاً بتلك الجماليات.

هنيئاً لأولئك الذين اصطفاهم المولى الكريم من بين البشر، ليكونوا ضمن وفد «ضيوف الرحمن» في أجمل رحلة في الحياة. فكلما أقبلت أيام ذو القعدة وذو الحجة، كلما أثارت شجوننا معاني الخير في هذه الرحلة المباركة، التي أسميتها «أجمل رحلة»، والتي هي فعلاً أجمل من كل رحلات الدنيا التي يقوم بها البعض، ويجوب من خلالها الآفاق بحثاً عن السعادة، بينما لم يكلّف نفسه عناء التفكير في التسجيل لتلك الرحلة الربانية، ولم يتلذذ بنكهتها الخاصة، وأجوائها الروحية، ليكون ضمن ضيوف الرحمن.

كلما أقبلت أيام الحج، ساورني الحنين لأكون هناك في مكة، أستذكر فيها خطوات النبي صلى الله عليه وسلم، وأمشي في مواطن خطاه، حيث سار بدعوته وأدى فيها حجة الوداع. كلما هلّت هذه الأيام، أجدّد فيها كلمات الجمال لأجمل مكان وأجمل رحلة، وأكتبها بمشاعر جديدة، وكأنني أكتبها لأول مرة، ولمَ لا؟ وهي الرحلة التي نتخلى فيها عن الدنيا، وعن كل المشاعر السلبية، وعن منغصات الحياة والبشر، ونتفرغ لله تعالى وحده، متطلعين لرحمته ومغفرته وعفوه.

هنيئاً لمن اصطفاه الله تعالى لتلك الرحلة المباركة، سواء أكان حاجاً أو خادماً للحجاج وضيوف الرحمن. من هنا تبدأ حكاية متجددة لأجمل رحلة، نحكي فيها فصولاً من الذكريات، وسطورًا من المشاعر التي تجدد فينا الإيمان، وتقربنا من الديّان.اللهم وفّقنا لكل خير، ويسّر مسير حجاج بيتك الحرام، وكل من يخدمهم.

ومن جماليات الحياة أن تتعايش مع أولئك الطيبين الذين يذكّرونك بجماليات القيم الحياتية والأخلاقية، ويدفعونك لبذل كل ما في وسعك لتكون في مقدمة ركب العطاء والخير في دنيا زائلة سريعة الانقضاء. الأستاذ محمود عبدالغفار -شفاه الله تعالى وأمدّه بالصحة والعافية وطول العمر- من أولئك المربين الأفاضل الذين تستمتع بالجلوس إليهم، والاستماع إلى حكايات الماضي الجميلة المفعمة بالخير، فيعطيك دروسًا رائعة في البذل والعطاء، وفي الحياة الاجتماعية التي لا تكتمل إلا بمشاركتك للآخرين مناسباتهم، وبمبادراتك للعطاء في كل مجال تحبّه.

أما أم عيسى -حفظها الله وأمدّها بالعافية وطول العمر- فهي الأخرى من جيل الطيبين، وتذكرنا بالوالدة رحمها الله، فهي لم تنقطع يومًا في كل عام عن أداء صلاة التراويح في مسجد الإيمان، وتحرص على الصلاة ورائي، وتحضر على كرسيها المتحرك، وكلما قابلتها أمتعتني بدعواتها الطيبة، دعوات الأمهات الجميلة.

أما بومحمد (ياسين)، أحد أنوار مسجد الإيمان المشعة، فهو الآخر لا يغادر المسجد بعد صلاتي الفجر والعصر قبل أن يصافحني ويسأل عن أحوالي. أرافقه إلى الخارج مستمتعاً بأحاديثه، ومتلذذاً بـ»قطعة الحلاوة» التي اعتاد أن يهديني إياها كل صباح، ثم أدعو الله تعالى أن يُجازيه على دعواته الطيبة التي يخصّني بها.

فيا جمال جيل الطيبين، وكم نحن في أمسّ الحاجة لأن نصنع أثرهم في زماننا، حتى يتربى أبناؤنا على ما تعلموه. فالجلوس مع الكبار عنوان للحكمة والنضج والصفاء. ربي يحفظهم ويطيل أعمارهم.

ومن جماليات الحياة أيضاً أن يصطفي لك الله بعض الأصدقاء أو التلاميذ الأوفياء المخلصين، الذين لا يبتعدون عنك، فتراهم دائمًا قريبين، يشاركونك مناسباتك، ويخصّونك بدعواتهم وكلماتهم الطيبة، ولا يرضون أن يُمسّك سوء أو أن تحزن. هم في مقدّمة أهل الوفاء، ويجملون حياتك بالخير.

ومن الجماليات الأجمل، أسرتك وأهل بيتك، إخوتك وأخواتك، فهم ذخر الحياة وسندها، وهم من يحرصون على أن يكونوا بقربك في كل حين، إن أصابك همّ، أو ألمّ بك وجع، أو تأخرت عنهم، تراهم أول من يبادرون بالسؤال، أو كتبت منشوراً، تجدهم أول من يعلق عليه بأجمل الكلمات. ما أجمل العائلة الكبيرة، والأسرة الصغيرة، فهم الملاذ الآمن بعد عناء الأيام، وهم الباقون لك في هذه الحياة بعد أن تتفرغ من مشاغلك مع الآخرين. هم ذخر الدنيا والآخرة، قال تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ».

ومضة أمل:أعشق جماليات الحياة بكل تفاصيلها الصغيرة.