كل إنسان عندما يكبر ويتقدم به العمر تتغير زوايا نظرته للأمور.. يشعر أن العمر الذي يمضي به قد بدأ يمضي بعقله إلى اتجاهات مختلفة من الفكر والنضج.. شمس الإدراك تسطع بداخل روحه ويصبح ملماً بقوانين كان يجهلها في صغره.. قانون الدنيا وقانون البشر وقانون الخير والشر.. يصبح ذا دراية بكثير من الأمور التي كان يعتقد في مراحل عمرية سابقة أنه يفهمها.. يكتشف أن ما كان يتوقع معرفته ويجيد التعامل معه في عمره الصغير في تلك السنين كان يحجب عنه معرفته..
«1»
جاءت لأمها راكضة تخبرها عما فعله أشقاؤها من ورائها.. جعلتها تتحدث وتكمل كلامها إلى النهاية وهي تشي بما خبأه إخوتها عنها.. كانت تناظرها وهي تتكلم وتحاول كبح جماح الغضب عما فعله إخوتها وأخفوه عنها وأيضاً كبح جماح غضب من نوع آخر.. عندما أكملت ابنتها كلامها صفعتها «صفعة خفيفة كتأديب» وهي تقول لها: «هذه الصفعة ستتذكرينها طوال حياتك عندما تفكرين بنقل الكلام من شخص إلى آخر.. لم أربيكِ حتى تصبحي «فتانة» مهما كانت أهمية الحديث الذي ستقولينه لي من المفترض أن تحترمي الأشخاص الذين ائتمنوكِ على سرهم»!
بكت طويلاً ليس لأن الصفعة آلمتها إنما شعرت أن أمها كانت قاسية عليها كثيراً.. كانت تعتقد في ذلك العمر الصغير أن ما فعلته أمها لا داعي له.. كانت ترى أمهات صديقاتها لا يفعلن مع بناتهن هكذا.. وعندما كبرت بعد عشرين سنة وأكثر وكلما شعرت بأنها تود نقل كلام أحدهم تتذكر الصفعة فتبتسم.. ألم صغير لا يذكر يومها جنبها آلاماً وآثاماً كبيرة اليوم «الفتنة أشد من القتل».. تتذكر الموقف وهي ترى أخلاق بعضهن في نقل الكلام وافتعال المشاكل والفتن بين الناس وانشغالهن بقشور الأمور فتحمد ربها أن الله منحها أماً تحسن التربية وتجيد الغرس.. غرس الأخلاق الطيبة ودفعها للانشغال بأمور أهم من نقل الكلام و«التفتن» فكلما رأت صفعات الدنيا من حولها تذكرت تلك الصفعة التي قومت في شخصيتها الكثير ولم تجعلها مثل «أصحاب الوشاية والمشاكل».
«2»
ما إن تقترب الساعة من الرابعة والنصف فجراً حتى تدخل غرفته وتجلس على رأسه تأمره بالنهوض للصلاة.. كان يرى أن هذه «الحنة والطحنة» مزعجة والأكثر إزعاجاً عندما تهدده بأنها ستخبر أباه أنه لم ينهض لأداء صلاة الفجر في المسجد.. الأكثر إزعاجاً بالنسبة له يوم الجمعة لأنه لا بد أن يصبح على مشاجرة وعتاب كونه تأخر في السهر ليلة الجمعة وكونه لم ينهض لأداء صلاة الجمعة في المسجد وكونه لم يقم بحل واجباته المدرسية.. يتملل ويتمنى لو أن أمه تكون شخصيتها مختلفة كمثل أمهات أصدقائه اللواتي يشغلن أنفسهن بالتجمعات النسائية ويوم الجمعة غالباً لا تكون الأم موجودة في منزلها ولا تهتم بمتى خرجوا من المنزل ومتى عادوا.. عندما كان أبوه يعاقبه ويحرمه من المصروف أو الخروج مع أصدقائه كان يقول متذمراً «كله منها».. اليوم وهو يتأمل نفسه، وكيف أن غدت حياته منظمة وتحمل الكثير من البركة والتوفيق، وكيف أصبح تلقائياً ينهض وقت صلاة الفجر ويحرص على أداء صلاة الجمعة من نفسه والكل يشيد به ويمتدحه، وكيف أكرمه الله بوظيفة مريحة جاءت بسبب تفوقه وشطارته في الدراسة، يحمد الله أن له أماً لا تقارن بأمهات أصدقائه الذين بعضهم فاشل في حياته ولا يعرف درب المسجد، فيما بعضهم انحرف وضاع بسبب تركهم في الخارج يسهرون على راحتهم.. عندما كبر فهم أن ما تفعله أمه يأتي من حرصها أن يكون ماضياً في دروب الله.. من حفاظها وخوفها عليه من أصدقاء السوء وسهرات الضياع وتضييع وقته في أمور لا تخدمه لمستقبله..
«3»
صديقة السوء مثل التفاحة الفاسدة.. لا بد أن تفسدك ولو في جانب حتى إن اقتصر الفساد على فكرك بشكل سطحي فاحذري من السير معها.. «الصاحب ساحب» والصديقة السيئة إن رآكِ الآخرون معها شوهتْ سمعتكِ.. ممنوع زيارة الصديقات في منازلهن إلا قبل أن أتعرف على أمها ومن تكون.. أخوك يوصلك إلى منزلها ويقوم بإرجاعك.. البنت العاقلة وبنت الناس العدلة لا تنام في منازل الآخرين. تتملل من القيود الكثيرة المفروضة عليها.. تعتقد أنها تفهم أكثر من أمها للناس وأن ما تقوم به لا داعي له.. «مي تبالغ في الأمور كثيراً.. لا تريدني أن أكون اجتماعية.. ما بها لو ذهبت إلى منزل قريبتي وسهرنا معاً ونمت في غرفتها مع بقية أخواتها».
عندما كبرت وأخذت تستمع لكلام الكثيرات وهن نادمات على ما فعلنه خلال مرحلة المراهقة والمدرسة تحمد الله أنها عاشت تلك الفترة في حياتها ومرت عليها دون مشاكل.. تكتشف أن كل ذلك الحرص عليها كان يعكس نظرة عميقة تحمل فطنة وفراسة أكثر منها. نصائح أمها تعتبر مثل سور حفظها وحصن حصين جنبها مطبات المراهقة.
* إحساس عابر:
عندما كبرت عرفت يا أمي ويا أبي أنه لا أحد سيخاف علي وتقلقه أموري مثلكما.. لا أحد سيهتم بي وسيكون شديد الحرص على مصلحتي ويتمنى أن أكون أفضل منه وأحسن الناس غيركما.
{{ article.visit_count }}
«1»
جاءت لأمها راكضة تخبرها عما فعله أشقاؤها من ورائها.. جعلتها تتحدث وتكمل كلامها إلى النهاية وهي تشي بما خبأه إخوتها عنها.. كانت تناظرها وهي تتكلم وتحاول كبح جماح الغضب عما فعله إخوتها وأخفوه عنها وأيضاً كبح جماح غضب من نوع آخر.. عندما أكملت ابنتها كلامها صفعتها «صفعة خفيفة كتأديب» وهي تقول لها: «هذه الصفعة ستتذكرينها طوال حياتك عندما تفكرين بنقل الكلام من شخص إلى آخر.. لم أربيكِ حتى تصبحي «فتانة» مهما كانت أهمية الحديث الذي ستقولينه لي من المفترض أن تحترمي الأشخاص الذين ائتمنوكِ على سرهم»!
بكت طويلاً ليس لأن الصفعة آلمتها إنما شعرت أن أمها كانت قاسية عليها كثيراً.. كانت تعتقد في ذلك العمر الصغير أن ما فعلته أمها لا داعي له.. كانت ترى أمهات صديقاتها لا يفعلن مع بناتهن هكذا.. وعندما كبرت بعد عشرين سنة وأكثر وكلما شعرت بأنها تود نقل كلام أحدهم تتذكر الصفعة فتبتسم.. ألم صغير لا يذكر يومها جنبها آلاماً وآثاماً كبيرة اليوم «الفتنة أشد من القتل».. تتذكر الموقف وهي ترى أخلاق بعضهن في نقل الكلام وافتعال المشاكل والفتن بين الناس وانشغالهن بقشور الأمور فتحمد ربها أن الله منحها أماً تحسن التربية وتجيد الغرس.. غرس الأخلاق الطيبة ودفعها للانشغال بأمور أهم من نقل الكلام و«التفتن» فكلما رأت صفعات الدنيا من حولها تذكرت تلك الصفعة التي قومت في شخصيتها الكثير ولم تجعلها مثل «أصحاب الوشاية والمشاكل».
«2»
ما إن تقترب الساعة من الرابعة والنصف فجراً حتى تدخل غرفته وتجلس على رأسه تأمره بالنهوض للصلاة.. كان يرى أن هذه «الحنة والطحنة» مزعجة والأكثر إزعاجاً عندما تهدده بأنها ستخبر أباه أنه لم ينهض لأداء صلاة الفجر في المسجد.. الأكثر إزعاجاً بالنسبة له يوم الجمعة لأنه لا بد أن يصبح على مشاجرة وعتاب كونه تأخر في السهر ليلة الجمعة وكونه لم ينهض لأداء صلاة الجمعة في المسجد وكونه لم يقم بحل واجباته المدرسية.. يتملل ويتمنى لو أن أمه تكون شخصيتها مختلفة كمثل أمهات أصدقائه اللواتي يشغلن أنفسهن بالتجمعات النسائية ويوم الجمعة غالباً لا تكون الأم موجودة في منزلها ولا تهتم بمتى خرجوا من المنزل ومتى عادوا.. عندما كان أبوه يعاقبه ويحرمه من المصروف أو الخروج مع أصدقائه كان يقول متذمراً «كله منها».. اليوم وهو يتأمل نفسه، وكيف أن غدت حياته منظمة وتحمل الكثير من البركة والتوفيق، وكيف أصبح تلقائياً ينهض وقت صلاة الفجر ويحرص على أداء صلاة الجمعة من نفسه والكل يشيد به ويمتدحه، وكيف أكرمه الله بوظيفة مريحة جاءت بسبب تفوقه وشطارته في الدراسة، يحمد الله أن له أماً لا تقارن بأمهات أصدقائه الذين بعضهم فاشل في حياته ولا يعرف درب المسجد، فيما بعضهم انحرف وضاع بسبب تركهم في الخارج يسهرون على راحتهم.. عندما كبر فهم أن ما تفعله أمه يأتي من حرصها أن يكون ماضياً في دروب الله.. من حفاظها وخوفها عليه من أصدقاء السوء وسهرات الضياع وتضييع وقته في أمور لا تخدمه لمستقبله..
«3»
صديقة السوء مثل التفاحة الفاسدة.. لا بد أن تفسدك ولو في جانب حتى إن اقتصر الفساد على فكرك بشكل سطحي فاحذري من السير معها.. «الصاحب ساحب» والصديقة السيئة إن رآكِ الآخرون معها شوهتْ سمعتكِ.. ممنوع زيارة الصديقات في منازلهن إلا قبل أن أتعرف على أمها ومن تكون.. أخوك يوصلك إلى منزلها ويقوم بإرجاعك.. البنت العاقلة وبنت الناس العدلة لا تنام في منازل الآخرين. تتملل من القيود الكثيرة المفروضة عليها.. تعتقد أنها تفهم أكثر من أمها للناس وأن ما تقوم به لا داعي له.. «مي تبالغ في الأمور كثيراً.. لا تريدني أن أكون اجتماعية.. ما بها لو ذهبت إلى منزل قريبتي وسهرنا معاً ونمت في غرفتها مع بقية أخواتها».
عندما كبرت وأخذت تستمع لكلام الكثيرات وهن نادمات على ما فعلنه خلال مرحلة المراهقة والمدرسة تحمد الله أنها عاشت تلك الفترة في حياتها ومرت عليها دون مشاكل.. تكتشف أن كل ذلك الحرص عليها كان يعكس نظرة عميقة تحمل فطنة وفراسة أكثر منها. نصائح أمها تعتبر مثل سور حفظها وحصن حصين جنبها مطبات المراهقة.
* إحساس عابر:
عندما كبرت عرفت يا أمي ويا أبي أنه لا أحد سيخاف علي وتقلقه أموري مثلكما.. لا أحد سيهتم بي وسيكون شديد الحرص على مصلحتي ويتمنى أن أكون أفضل منه وأحسن الناس غيركما.