ما زالت تروق لي حوارات الكبار من الأهل والجيران، فأحاديثهم متنوعة لا يشوبها الملل. ومثل أغلب المجتمعات لابد أن تكون هناك جملة أساسية لموضوع ما يعتبر كالطبق الرئيس للنقاش ومن ثم يتشعب منه أحاديث فرعية. منها ما يعلق بالذاكرة وكثير ما ينمحي بمجرد الانتقال من المكان الذي أجلس فيه.
إلا جملة واحدة لا تزال تحفر في ذاكرتي، سمعتها على لسان عمتي منذ زمن بعيد عندما كانت تتحدث مع والدي وهي مستاءة من الوضع الاقتصادي الذي كان ولايزال يخيم على الوطن الحبيب لبنان، «شوف يا خيي بخبرك شي، كانوا يقولون أيام أول: «لقمة في بطن جائع خيرٌ من بناء جامع!!! وأنا يا أخي الحين أقولها وأرددها ومقتنعة بها أيضاً». جملة وضعتني في دهشة كبيرة وأثارت في داخلي غضباً ليس له حدود وامتعاض ليس له مثيل، متهمة عمتي بأنها إنسانة لا تحب الدين ولا تغار عليه. كيف لها أن تقول مثل هذا الكلام وهي لا تقوله فحسب وإنما مقتنعة به أيضاً؟! وهل يوجد خير من بناء بيوت الله للعبادة؟! ولكن لصغر سنّي ما كنت أملك الجرأة لأرُد، فالتزمت الصمت واكتفيت أنني أخذت موقفاً سلبياً تجاهها.
دارت الأيام والجملة لا تزال في رأسي محفورة وفي صراع داخلي كي أثبت عدم صحتها. ولكن اليوم عندما أعلم أنه يتم بناء مسجد ويصرف عليه المبالغ الخيالية أو استلم رسالة بالتبرع لبناء دور للعبادة في إحدى الدول البعيدة اتحمس كثيراً وأقول، هذا هو العمل الصح، وفي الوقت نفسه أعلم أن جاري في ضيق مالي أو من يسكن في شارعي أرملة ترعى أيتاماً وهي بحاجة ماسّة لإعانة مادية أو أن والداً في حيرة من أمره ضاقت به الدنيا ورحابها لا يعرف كيف يؤمن علاج ولده المصاب بالسرطان وغيرها من القصص المأساوية الكثيرة التي تحيطنا أو عائلة تسكن في بيت آيل للسقوط تناشد المعنيين في أخذ القرار الصحيح من دون مماطلة أو تأخير.
فمن دون سالف تذكير، جملة عمتي تلوح أمام نظري، فأتنفس نفساً عميقاً مع تنهيدة محدثة نفسي «إن حكمة عمتي صحيحة»، وقد فهمت ما كانت تقصده بالضبط. فمن أبسط الحقوق الإنسانية في أي مكان على وجه الكرة الأرضية، أن ينام المرء في أمن وأمان وبطنه مليان. ومن الأفضل أن نوحّد جهودنا أولاً في القضاء على الجوع والفقر القاتل، فالإيمان الحقيقي بحاجة إلى عمل صالح ليثبته. فقد صدق الإمام علي رضي الله عنه حين قال «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».
إلا جملة واحدة لا تزال تحفر في ذاكرتي، سمعتها على لسان عمتي منذ زمن بعيد عندما كانت تتحدث مع والدي وهي مستاءة من الوضع الاقتصادي الذي كان ولايزال يخيم على الوطن الحبيب لبنان، «شوف يا خيي بخبرك شي، كانوا يقولون أيام أول: «لقمة في بطن جائع خيرٌ من بناء جامع!!! وأنا يا أخي الحين أقولها وأرددها ومقتنعة بها أيضاً». جملة وضعتني في دهشة كبيرة وأثارت في داخلي غضباً ليس له حدود وامتعاض ليس له مثيل، متهمة عمتي بأنها إنسانة لا تحب الدين ولا تغار عليه. كيف لها أن تقول مثل هذا الكلام وهي لا تقوله فحسب وإنما مقتنعة به أيضاً؟! وهل يوجد خير من بناء بيوت الله للعبادة؟! ولكن لصغر سنّي ما كنت أملك الجرأة لأرُد، فالتزمت الصمت واكتفيت أنني أخذت موقفاً سلبياً تجاهها.
دارت الأيام والجملة لا تزال في رأسي محفورة وفي صراع داخلي كي أثبت عدم صحتها. ولكن اليوم عندما أعلم أنه يتم بناء مسجد ويصرف عليه المبالغ الخيالية أو استلم رسالة بالتبرع لبناء دور للعبادة في إحدى الدول البعيدة اتحمس كثيراً وأقول، هذا هو العمل الصح، وفي الوقت نفسه أعلم أن جاري في ضيق مالي أو من يسكن في شارعي أرملة ترعى أيتاماً وهي بحاجة ماسّة لإعانة مادية أو أن والداً في حيرة من أمره ضاقت به الدنيا ورحابها لا يعرف كيف يؤمن علاج ولده المصاب بالسرطان وغيرها من القصص المأساوية الكثيرة التي تحيطنا أو عائلة تسكن في بيت آيل للسقوط تناشد المعنيين في أخذ القرار الصحيح من دون مماطلة أو تأخير.
فمن دون سالف تذكير، جملة عمتي تلوح أمام نظري، فأتنفس نفساً عميقاً مع تنهيدة محدثة نفسي «إن حكمة عمتي صحيحة»، وقد فهمت ما كانت تقصده بالضبط. فمن أبسط الحقوق الإنسانية في أي مكان على وجه الكرة الأرضية، أن ينام المرء في أمن وأمان وبطنه مليان. ومن الأفضل أن نوحّد جهودنا أولاً في القضاء على الجوع والفقر القاتل، فالإيمان الحقيقي بحاجة إلى عمل صالح ليثبته. فقد صدق الإمام علي رضي الله عنه حين قال «لو كان الفقر رجلاً لقتلته».