لم تكن البداية ربما جيدة لبعض النواب الذين يخوض أغلبهم التجربة البرلمانية للمرة الأولى بعد حصولهم على ثقة الشعب من أهالي دوائرهم، حيث كان بعضهم قد تسرع في الإدلاء بتصريحات صحافية بعيدة عن الواقع، مما أوقعهم في أخطاء هم في غنى عنها، لذلك على بعض نواب الشعب الأفاضل التريث قليلاً حتى يؤدوا القسم الدستوري ثم يبدأ كل منهم رحلته مع البرلمان وشؤونه التي تمتد لأربع سنوات.

ولا أعتقد أنه من باب المصداقية والصحة أن ينشر النواب نتائج اجتماعاته مع المسؤولين في البلاد بشكل فوري إلا بعد التأكد من تلك النتائج وثبوتها حتى لا يقع نشرها ضمن التفسيرات الخاطئة التي تضطر عندها الجهة المسؤولة إلى نفيها، فيقع النائب في حرج ليس مع المسؤول بل مع أهالي دائرته، خاصة عندما تكون النتيجة تتعلق بخدمات تقع ضمن احتياجات الأهالي، وجاءت ربما ضمن برنامج النائب الانتخابي خلال فترة ترشحه لعضوية المجلس النيابي.

لا نشك في نوايا النواب الأكارم وحرصهم على تحقيق النتائج بأسرع وقت لصالح الشعب، ولكن لا يجب أن تتصف تلك السرعة بـ«القصوى»، خاصة أن المجلس لم ينعقد بعد، ولم يؤدِّ النائب قسمه الدستوري، لذلك ندعو بعض النواب إلى التريث عندما يلتقون بالمسؤولين، وإلى عدم تفسير تعبير تعودنا جميعنا على سماعه من المسؤولين مثل «إن شاء الله» إلى أن الطلب قد تحقق فعلاً، أو أن النائب يستطيع أن يخرج بتصريح صحافي «يؤكد» من خلاله أن لقاءه بالمسؤول أثمر عن نتائج كبيرة، وأن المسؤول استجاب «مشكوراً» وبشكل سريع لمطالبه، وأن ذلك هو التعاون المطلوب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

لا ليس كذلك، ولا هكذا تورد الإبل، وتعبيرات المسؤولين مثل «إن شاء الله»، و«يصير خير» وغيرهما، ليست إجابة أو استجابة لتحقيق مطلب، نعم بالتأكيد إن المشيئة بيد الله تعالى فلا خلاف في ذلك، وإن «الخير» هو ما يريده الجميع، ولكن حتى لا ندخل في قلوب بعض المسؤولين ونفسر نواياهم، فلنظن خيراً بالمسؤول، ولكن لا يشترط تحقيق المطالب بشكل فوري وآني وعلى وجه السرعة، ولا يعني خروج النائب منتصراً لأهالي دائرته حتى وإن كانت هذه نيته ولا نشك فيها طبعاً، غير أن ترجمة تلك التعبيرات إلى «قرار فعلي» ونشره بين الأهالي قد يؤدي إلى حدوث ربكة في المعلومة وإيصال رسائل خاطئة لهم، لأن المعلومة المتداولة في الأصل غير صحيحة أو على الأقل لم تنفذ بعد.

لو كان كل لقاء يتم بين نائب ومسؤول يتمخض عن «قرار» لخرج كل النواب السابقين بنتائج فورية من تلك اللقاءات ولانتهت مشاكل الشعب، فكل النواب يلتقون بالمسؤولين سواء بشكل فردي أو جماعي عبر عضويتهم في إحدى اللجان التابعة لمجلس النواب، ولكن ليس ذلك صحيحاً، فاللقاءات بين النواب والمسؤولين كثيرة ومتعددة لتقريب وجهات النظر وبحث التعاون المطلوب بين السلطتين، والوصول إلى ما يؤدي إلى تحقيق النتائج التي تخدم الشعب في المقام الأول، لذلك نتمنى من بعض النواب عدم التسرع في إظهار نتائج لقاءاتهم مع المسؤولين، حتى لا تفسر نواياهم الطيبة بشكل خاطئ عند الشعب الذي قد يفرح مؤقتاً، ويظن الخير في من يمثله ثم يكتشف أن ما صرح به ليس صحيحاً من حيث الفعل والنتائج، وهذا من شأنه زعزعة الثقة بينهم وبين من يمثلهم.

حبذا لو ينظم مجلس النواب الموقر دورات تدريبية للنواب وتحديداً الذين يخوضون تجربتهم الأولى، وتنفذ تلك الدورات خلال العام الأول لهم في المجلس، وتتعلق بالتعامل الصحيح عند لقائهم مع مسؤولي الدولة الكبار، وتشمل هذه الدورات أيضاً عضوية اللجان والتمثيل الخارجي وغيرها من الدورات التي من شأنها أن تزيد من وعي النائب وتوسع مداركه وتسهم في الارتقاء بأدائه كممثل للشعب ويمكن لنتائج تلك الدورات أن تظهر بعد العام الأول لهم، فلا داعي للتسرع.