في العام 1945 تصورت البشرية أنها بلغت قمة «الشر» باستخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي مما خلف مئات الآلاف من القتلى في مدينتين فقط. هذا وكانت الحرب العالمية الثانية التي انتهت باستخدام القنبلة الذرية ضد اليابان قد خلفت عشرات الملايين من القتلى ومثلهم من الجرحى ومثلهم من المعوقين ومثلهم من المشردين!! الحداثة التي بدأت أطوارها الأولى بالتأقلم مع الطبيعة ثم السيطرة على الطبيعة، أثبتت أنها في نوبة جنونها قادرة على تدمير الطبيعة وإفناء البشرية.

وبعيدا عن الأسلحة الفتاكة التي طورتها البشرية تطويراً مرعباً لهثاً خلف هدف «إفناء البشر»، أعلنت الصين عن إنجازين علميين مقلقين، الأول، اختراع مذيع رقمي «روبوت»، قادر على قراءة نشرة الأخبار وتحريك شفتيه تماماً مثل البشر وبمظهر خارجي مطابق للبشر تماماً. والإنجاز الثاني هو ولادة أول توأمين معدلين جينياً. المقلق في هذه التجارب الجديدة أنها تمس كينونة الإنسان نفسه. وتشكل خطراً على مفهوم «الإنسانية» ومستقبل الكائن البشري.

تطور الروبوتات هو امتداد لتطور الآلة لا يشكل خطراً فقط على مستقبل العمال والأيدي العاملة التي سيقل الاعتماد عليها بشكل كبير، مما سيرفع نسبة البطالة، بل إن الخطر يكمن في الفلسفة التي تنبثق منها، وهي إنتاج كائن بشري معدل و»تحت السيطرة». كائن بشري يتقن الكثير من المهام، لكنه لا يميز ما يدور حوله خارج برمجته ولا يفهم، ولا يشعر بشيء!! أما الكائن البشري «الحقيقي» المعدل وراثيا فإنه سيكون إنساناً حسب الطلب شكلاً ومضموناً. وهي كائنات حين يتم إنتاجها ستبقى تحت التجارب الجينية حتى تتضح نتائج تلك التجارب، أي سيبقى إنساناً «تحت السيطرة». إن التطور العلمي واتجاهات ما بعد الحداثة في هذه المرحلة بعد أن انتقلت إمكاناتها من السيطرة على الطبيعة تتجه بكل توحش للسيطرة على البشرية. وآخر إنجازاتها إنتاج إنسان صناعي تحت السيطرة، وإنتاج بشر مسيطر عليهم بالعبث بجيناتهم.

وعلى الرغم من معرفة المتابعين للأبحاث الجينية بأن ثمة تنافساً محموماً سرياً بين أمريكا والصين على تجارب المواليد المعدلين جينياً، إلا أن الصين اضطرت للزعم بإيقافها جميع التجارب الجينية بعد الضجة الأخلاقية التي خلفها الإعلان عن ولادة توأمين معدلين جينياً. فالاتجاهات «الجنونية» للعلم بدأت تحوم حولها الشبهات الأخلاقية حول جدوى تلك التجارب ومدى نفعيتها للإنسان، وولدت الخشية من الاستخدام المنحرف لتلك التجارب مثل إنتاج روبوتات لأغراض حربية، وإنتاج بشر معدلين وراثيا لتجارة الأعضاء والرق والحروب!

المشكلة الأخلاقية للحداثة بدأت تتسع بتسخيرها العلم لخدمة أغراض «سلطوية» لدول معينة وشركات معينة. وبتجاوز حدود «الجنون السلطوي» من السيطرة على الكون وعلى موارده وفضاءاته إلى السيطرة على البشر واستبدال كائنات «تحت السيطرة» بهم. والذكاء الذي وظيفته تسهيل حياة البشر، صار في بعض اتجاهاته الخطيرة ينفذ مهام شريرةً قد تدمر الكون والإنسان. ووسط هذا الجنون العلمي يغيب مفهوم الأخلاق والضمير والحب!!