برزت ظاهرة التنمر والحديث عنها في الآونة الأخيرة بشكل كبير، ويدعو للقلق. وكان وصول ممارسات التنمر لوسائل التواصل الاجتماعي عبر منشورات المتنمرين تعليقاتهم على الآخرين دافعا جادا لفتح النقاش حول الميول «النمرية» الكامنة والظاهرة في مجتمعنا.
ولا تبدو الفروق كبيرة بين ظاهرة «التنمر» وباقي ظواهر العنف الأخرى، سواء في طابع الاستهداف الشخصي الذي يمارسه «المتنمر»، وفي سمة «الاستقواء» التي ينتهجها المتنمر مقابل سمة «الاستضعاف» التي يرى فيها المتنمر ضحيته. فكرة التنمر يمكن تصويرها وفهمها إذا تخيلت أن ثمة نمر يحدق فيك ويخطط لافتراسك. تخيل.. نظرة النمر المتوثبة، وتركيزه العالي في محيطك، ودراسته الدقيقة لإمكانية خلاصك منه، وكيفية الإطباق عليك. تخيل إحساسك بتربص النمر وخوفك منه. وشعورك بالعجز عن الفرار، وبطء حركتك أمام سرعته الفائقة في الجري. إن هذه المشاعر هي مجال التنمر والأجواء التي تكتنفه. أي حين يستهدفك أحدهم استهدافاً شخصياً بقصد إيذائك إيذاء بالغاً.
وأساليب التنمر متعددة منها اللفظي الذي تُستخدم فيه ألفاظ الإهانة والتحقير والشتم، والألفاظ البذيئة، وألفاظ الإساءة الجنسية والتحرش الجنسي، ومنها العزل والحصار الاجتماعي للضحية وإشعاره بالتهميش والدونية الاجتماعية، ومنها الإيذاء البدني متعدد الصور. والمتنمرون موجودون في كل مكان ويمارسون تنمرهم على كل الفئات في المنزل والمدارس والأعمال. يتنمرون ضد الصغار والكبار، وضد النساء والرجال.
والمتنمر بحاجة إلى تحليل نفسي لفهم إحساس «الاستقواء» الذي يغلف سلوكه. هل هو شعور حقيقي بالقوة والتميز والتفوق؟ أم أنه افتعال للقوة في روح مهزومة تشعر بالنقص والضعف وعانت طويلا من الاضطهاد، ثم وجدت ضالتها في شخص أضعف منها؟ وما هي دوافع التنمر على الآخرين؟ هل هو انتقام من فكرة ما؟ أو تحقيق نصر رمزي؟ أم تحول الأمر إلى حالة مرضية «سادية» تتلذذ بتعذيب الآخرين؟ وهل يمارس المتنمر سلوكه ضد شخص بعينه، أو فئة بعينها، أو أنه سلوك عام؟ بمعنى هل المتنمر يشخصن عنفه؟ أم هو عنيف بطبعه؟ هذه الأسئلة سوف تفرز لنا حالة المتنمرين كل على حده، وبواعث سلوكهم، ومدى خطورتهم. وقد تساعد على علاجهم وتهدئة عنفهم.
تشير الدراسات إلى أن الكثير من حالات إطلاق النار التي ارتكبها طلاب المدارس في أمريكا كان سببها «ظاهرة التنمر». إما أن المتنمر واجه مشكلات انتهت بإطلاقه النار على أساتذته وزملائه، أو أن إحدى ضحايا التنمر عانى كثيراً وانتهى الأمر به بالانتقام ممن تنمروا عليه في المدرسة. وقرأت عن بعض حالات الانتحار التي كان سببها الضيق البالغ من ممارسات التنمر المتعددة التي واجهها المنتحر، وخصوصاً النساء. إحدى الفنانات خرجت على شاشة إحدى الفضائيات وعبرت عن مضايقات التنمر التي تواجهها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب عملية تجميل فاشلة أجرتها لشفتيها. وعبرت أنها بعقلانيتها واتزانها تمكنت من تجاوز تلك الممارسات، إلا أن غيرها من الصعب عليهم احتمال ذلك.
ممارسة التنمر ضد الآخرين تترك عواقب وخيمة في نفس الضحية.. شعور بالاستهداف، وافتقاد الأمن، وضعضعة الثقة بالنفس، وتراجع الإنجاز والإقبال على الحياة والعمل والأصدقاء. وزيادة نسبة المتنمرين وممارستهم في المجتمع تشير إلى أن التحضر والتقدم ليس سبباً حاسماً في طمس معالم العنف المجتمعي. ولكنه يجلب معه أساليبه الخاصة في ذلك.
إنها لفكرة غريبة حقاً أن يشعر أحدهم بالسعادة والتلذذ وهو يعذب غيره ويراه يتهشم أمامه!!
{{ article.visit_count }}
ولا تبدو الفروق كبيرة بين ظاهرة «التنمر» وباقي ظواهر العنف الأخرى، سواء في طابع الاستهداف الشخصي الذي يمارسه «المتنمر»، وفي سمة «الاستقواء» التي ينتهجها المتنمر مقابل سمة «الاستضعاف» التي يرى فيها المتنمر ضحيته. فكرة التنمر يمكن تصويرها وفهمها إذا تخيلت أن ثمة نمر يحدق فيك ويخطط لافتراسك. تخيل.. نظرة النمر المتوثبة، وتركيزه العالي في محيطك، ودراسته الدقيقة لإمكانية خلاصك منه، وكيفية الإطباق عليك. تخيل إحساسك بتربص النمر وخوفك منه. وشعورك بالعجز عن الفرار، وبطء حركتك أمام سرعته الفائقة في الجري. إن هذه المشاعر هي مجال التنمر والأجواء التي تكتنفه. أي حين يستهدفك أحدهم استهدافاً شخصياً بقصد إيذائك إيذاء بالغاً.
وأساليب التنمر متعددة منها اللفظي الذي تُستخدم فيه ألفاظ الإهانة والتحقير والشتم، والألفاظ البذيئة، وألفاظ الإساءة الجنسية والتحرش الجنسي، ومنها العزل والحصار الاجتماعي للضحية وإشعاره بالتهميش والدونية الاجتماعية، ومنها الإيذاء البدني متعدد الصور. والمتنمرون موجودون في كل مكان ويمارسون تنمرهم على كل الفئات في المنزل والمدارس والأعمال. يتنمرون ضد الصغار والكبار، وضد النساء والرجال.
والمتنمر بحاجة إلى تحليل نفسي لفهم إحساس «الاستقواء» الذي يغلف سلوكه. هل هو شعور حقيقي بالقوة والتميز والتفوق؟ أم أنه افتعال للقوة في روح مهزومة تشعر بالنقص والضعف وعانت طويلا من الاضطهاد، ثم وجدت ضالتها في شخص أضعف منها؟ وما هي دوافع التنمر على الآخرين؟ هل هو انتقام من فكرة ما؟ أو تحقيق نصر رمزي؟ أم تحول الأمر إلى حالة مرضية «سادية» تتلذذ بتعذيب الآخرين؟ وهل يمارس المتنمر سلوكه ضد شخص بعينه، أو فئة بعينها، أو أنه سلوك عام؟ بمعنى هل المتنمر يشخصن عنفه؟ أم هو عنيف بطبعه؟ هذه الأسئلة سوف تفرز لنا حالة المتنمرين كل على حده، وبواعث سلوكهم، ومدى خطورتهم. وقد تساعد على علاجهم وتهدئة عنفهم.
تشير الدراسات إلى أن الكثير من حالات إطلاق النار التي ارتكبها طلاب المدارس في أمريكا كان سببها «ظاهرة التنمر». إما أن المتنمر واجه مشكلات انتهت بإطلاقه النار على أساتذته وزملائه، أو أن إحدى ضحايا التنمر عانى كثيراً وانتهى الأمر به بالانتقام ممن تنمروا عليه في المدرسة. وقرأت عن بعض حالات الانتحار التي كان سببها الضيق البالغ من ممارسات التنمر المتعددة التي واجهها المنتحر، وخصوصاً النساء. إحدى الفنانات خرجت على شاشة إحدى الفضائيات وعبرت عن مضايقات التنمر التي تواجهها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب عملية تجميل فاشلة أجرتها لشفتيها. وعبرت أنها بعقلانيتها واتزانها تمكنت من تجاوز تلك الممارسات، إلا أن غيرها من الصعب عليهم احتمال ذلك.
ممارسة التنمر ضد الآخرين تترك عواقب وخيمة في نفس الضحية.. شعور بالاستهداف، وافتقاد الأمن، وضعضعة الثقة بالنفس، وتراجع الإنجاز والإقبال على الحياة والعمل والأصدقاء. وزيادة نسبة المتنمرين وممارستهم في المجتمع تشير إلى أن التحضر والتقدم ليس سبباً حاسماً في طمس معالم العنف المجتمعي. ولكنه يجلب معه أساليبه الخاصة في ذلك.
إنها لفكرة غريبة حقاً أن يشعر أحدهم بالسعادة والتلذذ وهو يعذب غيره ويراه يتهشم أمامه!!