من أهم القضايا التي من شأنها أن تشغل بال المشتغلين بالقضايا التربوية والتعليمية في البحرين، هي هواجس ومخاطر الإعلام الموجَّه لأطفالنا الصغار. فاليوم يستقي أطفالنا مفاهيمهم ووعيهم ومحددات أفكارهم ومباني مساراتهم الحياتية عبر تدفقات «السوشيل ميديا» الهائلة بكل فروعها وتشعباتها وأنواعها، تلكم التي تحاك في الغرف المظلمة أو عبر الفضاء المكشوف، حتى وجدنا أطفالنا ليسوا بأطفالنا، فكل ما فيهم لا علاقة له بهم أو بنا.

حين نتحدث عن فضاءات عظيمة تتملَّك وتسيطر على أطفالنا من خلال العالم الافتراضي والتكنولوجي والإلكتروني في عصرنا هذا، فإننا نتحدث في المقابل عن غياب أو غيبوبة من طرف دولنا في خلق مناخات إعلامية رصينة وراقية يمكن لها أن تُجَنِّب صغارنا منزلقات الفوضى والضياع الحاصل.

لا يعقل وبعد مرور نحو 50 عاماً على إنشاء تلفزيون البحرين، أن نعجز اليوم عن إنشاء قناة فضائية واحدة للأطفال، فضائية تعني بشؤون تربية وتعليم الطفل والاهتمام بالطفولة، وذلك في محاولة جادة للتسابق مع الزمن لبث رسائل تناسب مستقبل هذا الجيل، سواء من مقومات النهوض والمعرفة أو من خلال إعادته إلى منصة العلم والحضارة، بعيداً عن كل إعلام من شأنه أن يعرقل مسيرة هذا الجيل والأجيال القادمة.

نحن لا نطالب بعزل أطفالنا عن هذا العالم، فهذا لن يكون، ولن يكون هذه التوجه متاحاً أصلاً، خصوصاً حين نتحدث عن عوالم افتراضية شرسة وعملاقة بدأت تغزو غرف نوم صغارنا وكبارنا ومنازلنا ومدارسنا وشوارعنا وهواتفنا وكل شيء، لكن هذا أيضاً لا يبرر أن نتقاعس عن صناعة وسائل إعلام مؤثرة لأطفالنا، فحين يفتقد الطفل البحريني قناة وطنية للأطفال تغذيه بأرقى العلوم والمعارف والوطنية، فمن الطبيعي أن يلجأ الطفل لقنوات وفضائيات أخرى تافهة وسطحية ورخيصة لا يتناسب محتواها وحجم التحديات والتطلعات المنشودة للمستقبل.

إن الحديث اليوم عن أهمية إنشاء فضائية بحرينية للأطفال يعتبر عيباً استراتيجياً وإعلامياً، لأنَّهُ من المفترض أن تكون هذه الفضائية قائمة منذ أكثر من ثلاثة عقود، بينما نحن الآن في بدايات الحديث عنها كأمنيات وتمنيات قد تتحقق أو لا تتحقق، خاصة إذا لم يكُ القائمون على الإعلام الرسمي مدركون لأهميتها، فإنها ستظل من ضمن الأحلام المكدَّسَة، حالها حال الكثير من المشاريع الوطنية المعطلة دون ما يبرر لنا ذلك!

هل سيفتح المسؤولون عن القضايا الإعلامية والتربوية آذانهم وعقولهم للأخذ بمثل هذه المشاريع الاستراتيجية الحساسة وتنفيذها على أرض الواقع؟ أم ستظل -مثل هذه الأفكار- لا تعني لهم أي شيء، لأنهم أدمنوا أن يفكروا بطريقة تقليدية جداً، ويعتقدون بأن الأطفال رقم لا قيمة ولا مكانة له في منتجات وسائل الإعلام الحديثة؟