رقم غريب يتكرر عدة مرات على هاتفها.. عندما قامت بالرد ألفت صوتها وشعرت بأنها تعرفها لكنها غير قادرة على تذكر من هي، هالها صوتها المضطرب والمخنوق وتفاجأت عندما اكتشفت من تكون ومن أين جاءت برقم هاتفها أصلاً وقد كانت تعتقد أن حبل الوصل بينهما انقطع للأبد!

شعرت أن شريط الذكريات قد عاد إلى ما قبل ثلاث سنوات مضت سنة تخرجهما من المدرسة وكأنها عمر.. تذكرت آخر موقف بينهما قبل أن تختفي من حياتها.. فتيات المدرسة كن يمسكن بها وفي الجانب الآخر يحاولن إبعاد الأخرى وقد كانت «محترقة من القهر» وتحاول أن تكمل كلامها معها!!

القصة باختصار أنهما كانتا صديقتين مقربتين جداً منذ الصف الأول الابتدائي وصداقتهما ترجع إلى صداقة عائلتيهما أصلاً «الأم صديقة الأم، والأب صديق الأب»، وكان قانونها آنذاك أنها لا تصادق أي فتاة تحمل هاتفاً «بالخش – قبل عهد الهواتف الذكية وفي زمن كانت الفتاة التي تتواصل مع رجل تقوم باستخراج هاتف تخبئه عن أهلها»، وكان هذا النظام يأتي لكونها لا تريد التورط في المشاكل وأن الفتاة التي تتواصل مع شباب غالباً تأتي من ورائها مشاكل تؤثر على التحصيل الدراسي، حتى اكتشفت أن إحدى من في الفصل ممن معروف أنها تتواصل مع الشباب وسلوكها غير سوي قد عرضت عليها أن تتواصل مع صديق صديقها وقد طلبت منها مبلغاً من المال كي تشتري لها هاتفاً تخبئه في غرفتها! وفجأة وبين ليلة وضحاها أصبحت تلك الفتاة غير السوية الصديقة المقربة التي تتابع يومياً أسرار علاقتها بذلك الشاب الذي عرفته بها «صديق صديقها»، وقد نبهتها ألا تعلم صديقتها المقربة عن أي تفصيل حتى لا تصنع لها مشكلة مع أهلها!

تلك الفتاة غير السوية التي كانت بمثابة الشيطان الماكر حرصت من خلف الكواليس أن تتجه إلى صديقتها المقربة التي لا تعلم عن علاقتها بذلك الشاب وتخبرها أنها تتكلم بالهاتف مع أحدهم ولديها هاتف مخبأ «بالخش» حتى تغيظها «مثل إبليس اللي يوسوس لعمل الفتن بين البشر ثم يجلس يتفرج فرحاً وهو يراهم مختلفين وفرقاً متناحرة!» وقد حرصت على إعلامها بذلك في فترة الامتحانات أواخر السنة قبل تخرجهم جميعاً «يبدو أنها أرادت أن تجعلهم في مشكلة تؤثر على تحصيلهم الدراسي فهي تدرك أنها من عائلة لن تدخلها الجامعة».

عندما علمت عن الورطة التي ستقع فيها صديقتها وأدركت أنها مثل ما أخبرتها قد تخبر أحداً ويصل العلم إلى أهلها وهي أدرى بأهلها فهم من نوع متشدد جداً وقد يؤذونها إن علموا، وهذه الفتاة غير السوية بالتأكيد لها أهداف من وراء تعريفها بذلك الشاب، لم تتحمل أن تقف متفرجة وقررت الاتجاه لها وقد كان ذلك قبل بدء موعد امتحانهم ما قبل الأخير وأن تحذرها لكنها تفاجأت أن صديقتها لم تعد صديقتها وكأنها لا تعرفها وأخذت تخبرها بأنها حرة في تصرفاتها وتردد ما تقوله تلك البنت غير السوية من أنها تغار لكونها تعرف شاباً جيداً ولذا تحاول ثنيها «كلام طلبة مدارس كما يقال» حتى احتدم النقاش بينهما إلى ما يقترب من الشجار فتدخلت صديقاتهما لتفرقتهما وإبعادهما عن بعضهما البعض!

تقول لها باكية: لقد صدقتِ في كل كلمة قلتها لي.. مازلت أذكر كلمتك «هذي البنت بتوديك في داهية.. بتطيحين في مصايب ما راح تطلعين منها!»، بعد تخرجنا من المدرسة اكتشفت أنها جعلت أهلي يعلمون أنني أحمل هاتفاً مخبأ أتواصل فيه مع أحد الشباب، فقام والدي بطردي من المنزل وحرمت من الجامعة وأصبحت أعيش في منزل إحدى شقيقاتي، ولم يقف الأمر عند هذا بل إنه بعد ذلك أخذ صاحب الشاب الذي تكلمت معه يتواصل معي بدعوى الاطمئنان بعد خديعتنا بالفتاة غير السوية وصاحبه لكنني لم أدرك أنه كان يبيت لي شراً من نوع آخر.

عندما تزوجت وارتبطت برجل محترم جداً وفوق الممتاز بحث عن معلوماته وأخذ يصلي في نفس المسجد الذي يصلي فيه زوجي وكنت أيامها حاملاً ومثلما فعلت تلك الشيطانة بإخبارك عن علاقتي فترة الامتحانات لتأثير ذلك على تحصلينا العلمي فعل الشيء ذاته.. بعد انقضاء الصلاة اتجه إليه وأخبره أنه يعرف زوجته التي هي أنا وأنه كان على علاقة بها وما حصل لي عندما اكتشف أهلي علاقتي بصديقه، وهذا تفسير وجودي ومعيشتي في بيت إحدى شقيقاتي عندما تزوجني، ويبدو ـنه فعل ذلك كي يطلقني زوجي ـو تحدث مشكلة بيني وبينه فيسقط الجنين!!

الحمد لله زوجي كان عاقلاً ولم يتكلم بكلمة واحدة، ولم أدرِ عن هذا الموقف إلا بعد أن وضعت ابني حينها أخبرني بكل شيء وحكى لي الموقف الحاصل بينهما وكيف عندما كان يتكلم معه قاطعه بالقول «الحين اهيه وين وزوجة من؟ في بيتي وزوجتي وكل ذي كلام أطفال!»، ومضى عنه فظللت أبكي بشدة أمامه وفهمت هنا سبب تغيره فترة حيث كان يعلل تغيره أنه بسبب ضغوطات العمل ثم أخبرني بأنه يعرف ما حصل مجرد مكالمات بسيطة وأن هذا الرجل ينوي شراً لها ويريدها مطلقة كي يدخلها في دوامة علاقات ودروب غير سوية فلم يمنحه ما يريده.. لقد تعلمت من تلك التجربة درساً قاسياً جداً لن أنساه ما حييت وأدركت أنني وضعت زوجي في موقف مهما كابر ولم يستجب لذلك المجرم سيبقى بداخله كالجرح لا يزول كما خسرت صديقة عمري وفهمت «قلبك كان علي» وأنتِ تنصحينني لأجل إنسانة مثل الشيطان والخطأ الأكبر أنني لم أمنح نفسي فرصة للاستماع لك يومها ولو لدقائق فأرجو أن تقبلي اعتذاري!

بعض المواقف دروس كان بإمكاننا تجنبها وتوفير سنوات من أعمارنا لو أننا فقط أنصتنا يومها لصوت العقل والمنطق ومنحنا من نثق فيهم ونعرفهم سنين طويلة فرصة قبل غلبة صوت وسواس الشيطان وأشخاص على هيئة أباليس بشرية! دائماً ما نشدد على الفتيات في المدارس ونقول احذري صديقات السوء ومن تُزين لكِ الخطأ وتشجعكِ وتحرضكِ على السوء، فقد يكلفكِ ثمن خطأ واحد خسائر فادحة في مستقبلكِ القادم يمتد إلى ما لا نهاية!