«لقد أصبحت ناجحاً بفضل أحد أساتذة الجامعة، رغم كل مساوئي كشاب في مقتبل الحياة وتهوري إلا أنه نظر إلى شيء عميق فيني بداخلي لا أدري عنه عندما أشاد بي في أحد حسابات مواقع التواصل الاجتماعي وبالجانب الخير فيني وقد أدرج صورتي واسمي لكوني ساعدت عدداً من الطلبة طيلة الفصل الدراسي في إيصالهم إلى منازلهم بسيارتي.. لقد لفت نظري إلى نفسي قبل الآخرين بكلامه الإيجابي المحفز رغم بساطة الموقف فهو تغافل عن كل سيئاتي وركز فقط على إيجابية واحدة فيني.. بكلمة واحدة منه نشرها كنت أعود لقراءتها في ذلك اليوم مراراً وتكراراً وأشعر بالفخر منها غيرت مزاجي وحياتي بأكملها بعدها!!».

طيلة اليوم كان يبتسم عندما يشرد بذهنه.. اكتشفت زوجته لاحقاً أن ذلك بسبب رسالة شكر طويلة على الواتساب جاءته من مديره في العمل المعروف أنه شديد الصرامة.. كلمات بسيطة غيرت مزاجه ونفسيته وأيضاً حياته فقد أصبح يحب عمله أكثر.. بسبب كلمة جارحة أرسلها أحدهم له على الواتساب نام حزيناً ولم ينهض بعدها أبداً!! توفي بسبب كلمة ظلت في قلبه جاثمة تقتله بالداخل ألف مرة حتى قتلته فعلاً بالموت!! أحدهم أنشأ حساباً وهمياً وأخذ يشتمه ويتنمر عليه وبعدها بساعات أدخل إلى المستشفى بسبب نوبة قلبية مفاجئة.. إحداهن أنشأت حساباً وهمياً ونشرت صور إحدى البنات الخاصة وبسبب كل ذلك ضاع مستقبل الفتاة مهنياً وأكاديمياً وأسرياً واجتماعياً!! طفلة أخرى بسبب تنمرهم واستهزائهم بها في المدرسة ووصفها بلقب مسيء أصبحت معروفة به في مدرستها وبمثابة «التعلوقة» أصبحت تتناول أقراصاً منومة عديدة مما أوجد لها مشاكل في الكلى والأمراض بعد عدة سنوات! سخروا من ملابس ابني في إحدى تجمعاتهم كأصدقاء حيث تبادلوا سخرياتهم عليه على قروب واتساب وكان يقرأها ويبكي ومنها أصبح ابني انطوائياً وتراجع مستواه الدراسي ولم يعد يخرج من المنزل أبداً وأصبح سميناً ومريضاً بالسكري!!

كلمة واحدة فقط تصدر من أحدهم تقلب الموازين فعلاً والكلام الجارح له أثر كأثر المسمار في اللوح حتى لو انتزع سيبقى الأثر لا يزول أبداً فأنت لو جلست مع نفسك لحظة صمت وسكوت وأخذت تمارس التأمل واستحضار العديد من الذكريات التي بينك وبين الناس.. أكثر ما ستتذكره وأنت تستحضر مواقف الناس الذين مروا بك في حياتك بعض الكلمات التي تكون بمثابة أما كلمات محفزة وداعمة لك أو سلبية ومحطمة لك لكن الأسوأ فعلاً أن ما يسمى بالتنمر الإلكتروني وأن تكون هناك كلمات مخلدة وباقية للأبد عنك يراها العالم أجمع في العالم الافتراضي كأن تفتح حسابك أو تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو تقوم بالبحث في «غوغل»، فترى إساءات الآخرين وتنمرهم وقد يكون من كتبها كشتائم نساها لكن العالم لن ينسوها فهي موثقة وباقية وهي مثل الرصاصة إن خرجت ونشرت لا تعود ولا تتوقف ليطلع عليها من يريد، لذا فالكلمة السيئة لا تسيء لصاحبها في الدنيا فقط بل أيضاً في دار الآخرة فهي كالسيئة الجارية كلما قرأها أحدهم زاد رصيده بالآثام والذنوب.

بالمقابل الشخص الذي شتم حتى وإن تراجع عن موقفه لاحقاً ذاكرة مواقع التواصل الاجتماعي باقية بمعنى قد يفقد كلمة الدخول لحسابه أو ينساه ويهمله وقد يصل لمرحلة لا يستطيع فيها الوصول لما نشره ومسحه وهنا الطامة الكبرى فليس من تعرض للتنمر يتعب ويتأثر فقط إنما حتى المتنمر قد ينضج ويكبر ويندم على كل ما فعله وقاله للناس عندما تدور دائرة الدنيا عليه بالأخص عندما يتزوج وينجب أطفالاً ويخاف أن يتعرضوا لما تعرض الآخرون له!

وللحديث بقية.