«أبو نبيل» تاجر ملابس في أيام الزمن الجميل، مشهور بأنه شاطر ومعسول اللسان والأخلاق. أسعار الأصناف المعروضة مخزنة جميعها في عقله، وهي ترتفع وتنخفض بعد نظرته الأولى ومعاينته للمشتري، لا أذكر أنني رأيته يكتب على دفتر أو ورقة صحيحة، سوى أرقام تليفونات هواتف مكتوبة على قصاصات جرائد أو مجلات هنا وهناك، أو يقوم بعمليات حسابية بسيطة على طرف ورقة الجريدة التي يحصل عليها من بائع المناقيش «الفطائر» في الصباح.
المفاصلة مع العم أبو نبيل تعتبر يسيرة، ولكن عندما يتعذر عليه الحال في إقناع الزبونة أن السعر الذي ترغب الشراء به سيسبب له خسارة، فإنه سرعان ما يرمقها بنظرة المسكنة، ويتهدج صوته ويظهر دفتراً متهالكاً من درج مكتبه الذي كان يسند الجانب الأيمن منه بمجلة قديمة كي يضمن توازنه، حالفاً لها وقائلاً: «والله يا مدام هذا الرقم أقل بكثير من سعر الكلفة المسجل في هذا الدفتر، يعني ترضين أخسر». وبعد هذا الدور التراجيدي الذي يتقنه، تستجيب السيدة للسعر المعروض وتنهي عملية الشراء قائلة: «بس المرة الجاي يا بونبيل لازم تراعيني».
حال «العم أبو نبيل» والتجار الذين كانوا يتبعون نفس النهج لم يدم طويلاً بعد أن فرضت وزارة التجارة حينها قانوناً يحكم بوضع ملصقات بأسعار المنتجات عليها. ومع هذا لم تتنازل السيدات عن مبدأ المفاوضة، وتبدأ حوارهن بالسؤال الطبيعي «هذا بكم» ويعتبر البائع نفسه متجاهلاً لها في حال كان يوجد زبائن أخريات حوله... وينتهي حوارهن «طيب وإلي بكم في حال أردت شراءه؟» لإيمان ضمني داخلها أن سعر العرض يختلف عن سعر البيع!
ولكن مع القوانين وبمرافقة التكنولوجيا وانتشار المجمعات التجارية وأمور كثيرة ظهرت، كانت كفيلة أن تحمي كل من التاجر والمستهلك على حد سواء.
ولكن في السنوات الأخيرة بدأت نماذج «العم أبو نبيل» تظهر من جديد على موقع إنستغرام، فأصحاب الحسابات يقومون بعرض منتجاتهم من دون أسعار «إلا من رحم ربي»، مع مفارقة بسيطة أنهم لا يردون على السؤال المشاع «هذا بكم» بكم؟ أرجوكم بكم؟؟ How much pleeeeeeez لعل من يدير الحساب لا يفقه اللغة العربية، وبعد إلحاح مستميت ومستفيض من السائلين عن السعر، حينها يمكنك أن تقرأ رداً خالياً من أي نوع من الاحترافية والأمانة: «يرجى قراءة الرسائل المباشرة (Direct Message) DM». فهذا الرد البارد كفيل أن يشعرك بمؤامرة تحاك ضد المشترين في الخفاء.
وهنا يأتي السؤال الذي يخطر على بالي دائماً: «لما لا يتم وضع الضوابط والقوانين وملاحقة هذا النوع من الحسابات «البحرينية المنشأ» والتي تكون في أغلبها غير مطابقة للواقع وحماية المستهلك في أي مكان كان؟؟».
وقبل التحريف والتدليس فيما كتبته، فأنا لا أحارب الناس في أرزاقها ولكن كل ما أطلبه عدم الغش والعمل بصدق والتصرف بأمانة بحماية القانون واحترام العقول بغض النظر عما تحويه حسابات السائلين وجيوبهم...
{{ article.visit_count }}
المفاصلة مع العم أبو نبيل تعتبر يسيرة، ولكن عندما يتعذر عليه الحال في إقناع الزبونة أن السعر الذي ترغب الشراء به سيسبب له خسارة، فإنه سرعان ما يرمقها بنظرة المسكنة، ويتهدج صوته ويظهر دفتراً متهالكاً من درج مكتبه الذي كان يسند الجانب الأيمن منه بمجلة قديمة كي يضمن توازنه، حالفاً لها وقائلاً: «والله يا مدام هذا الرقم أقل بكثير من سعر الكلفة المسجل في هذا الدفتر، يعني ترضين أخسر». وبعد هذا الدور التراجيدي الذي يتقنه، تستجيب السيدة للسعر المعروض وتنهي عملية الشراء قائلة: «بس المرة الجاي يا بونبيل لازم تراعيني».
حال «العم أبو نبيل» والتجار الذين كانوا يتبعون نفس النهج لم يدم طويلاً بعد أن فرضت وزارة التجارة حينها قانوناً يحكم بوضع ملصقات بأسعار المنتجات عليها. ومع هذا لم تتنازل السيدات عن مبدأ المفاوضة، وتبدأ حوارهن بالسؤال الطبيعي «هذا بكم» ويعتبر البائع نفسه متجاهلاً لها في حال كان يوجد زبائن أخريات حوله... وينتهي حوارهن «طيب وإلي بكم في حال أردت شراءه؟» لإيمان ضمني داخلها أن سعر العرض يختلف عن سعر البيع!
ولكن مع القوانين وبمرافقة التكنولوجيا وانتشار المجمعات التجارية وأمور كثيرة ظهرت، كانت كفيلة أن تحمي كل من التاجر والمستهلك على حد سواء.
ولكن في السنوات الأخيرة بدأت نماذج «العم أبو نبيل» تظهر من جديد على موقع إنستغرام، فأصحاب الحسابات يقومون بعرض منتجاتهم من دون أسعار «إلا من رحم ربي»، مع مفارقة بسيطة أنهم لا يردون على السؤال المشاع «هذا بكم» بكم؟ أرجوكم بكم؟؟ How much pleeeeeeez لعل من يدير الحساب لا يفقه اللغة العربية، وبعد إلحاح مستميت ومستفيض من السائلين عن السعر، حينها يمكنك أن تقرأ رداً خالياً من أي نوع من الاحترافية والأمانة: «يرجى قراءة الرسائل المباشرة (Direct Message) DM». فهذا الرد البارد كفيل أن يشعرك بمؤامرة تحاك ضد المشترين في الخفاء.
وهنا يأتي السؤال الذي يخطر على بالي دائماً: «لما لا يتم وضع الضوابط والقوانين وملاحقة هذا النوع من الحسابات «البحرينية المنشأ» والتي تكون في أغلبها غير مطابقة للواقع وحماية المستهلك في أي مكان كان؟؟».
وقبل التحريف والتدليس فيما كتبته، فأنا لا أحارب الناس في أرزاقها ولكن كل ما أطلبه عدم الغش والعمل بصدق والتصرف بأمانة بحماية القانون واحترام العقول بغض النظر عما تحويه حسابات السائلين وجيوبهم...