إذا كانت التحركات الاستراتيجية هي الخطة الشاملة للوصول إلى الهدف النهائي، في حين أن التكتيك هو خطة جزئية لتحقيق هدف جزئي، فإن التراجع الأمريكي في العراق أقل من الاستراتيجي وأعلى بكثير من التكتيكي أو ما يعرف بتكييف الخطة حسب الموقف كردة فعل قصيرة المدى لتحقيق شيء ما حالاً. فقد أخلت قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكية في العراق، قاعدة كي 1 الجوية K1 Air Base في كركوك، وهي القاعدة الثالثة التي سُلمت للعراقيين خلال شهر بعد قاعدتي القائم غرب الأنبار، والقيارة جنوب الموصل، وقد سيقت تبريرات منها أن بعض القواعد تعرضت كثيراً لاعتداءات مستمرة من قبل بعض فصائل الحشد الشعبي، لذلك جاء القرار الأمريكي للانسحاب منها.
وليس من العسير ملاحظة أن هناك تناقضات جمة في المشهد في العراق، إذ لا يبدو أن طهران وواشنطن المتراجعتين في العراق وفي الوقت نفسه المغذيتان للفراغ المتشكل تقللان من نبرة التصعيد بينهما، والتي يمكن إرجاعها لخوف ترامب من نجاح طهران في تجيير فيروس كورونا لرفع مستوى التعاون مع الأوروبيين عبر آلية «انستكس». أو بسبب الضربات الصاروخية ضد قاعدتين عراقيتين بهما قوات أمريكية، ثم وضع واشنطن رجالها تحت مظلات باتريوت في 30 مارس 2020. تبع ذلك نزول وباء فيروس كورونا كهدية من السماء لتبرير الانسحاب من شمال الخليج للحفاظ على أرواح الجنود الأمريكان. ومع إدراكنا التام أن كل حرب في الخليج تختلف عن سابقاتها، وندرك أيضاً أن الانكماش الأمريكي قد يكون جراء مواجهتهم لعدو مختلف وليس حرباً مختلفة، لكن الاستراتيجيات الدفاعية تمقت الفراغ Defense strategies abhor vacuum، مما يعني أن أحداً سيقفز في العراق. متمنين أن لا يصل الانكماش الأمريكي لقواعدهم في الخليج.
يدفعنا هاجس الخوف من الانكماشات الأمريكية أنه في زمن أفضل وقبل فيروس كورونا هوجمت السفن في المياه الخليجية في الصيف الماضي فتقاعست واشنطن وأرسلت مخفراً متقدماً هو الحاملة إبراهام لنكن، لكن لم يحل ذلك المخفر قضية سفينة واحدة حتى اليوم، فلم تنفع الحاملة أمريكا ولم تنفعنا. فهل الانكماش الأمريكي قرار استراتيجي توخياً لنتائج مستقبلية أم أنه تكتيك لنتائج حالية؟! على صانع القرار السياسي الخليجي أن يتمتع بإدراك جاد لمحيطه وبيئته، فالشلل الأمريكي بزمن فيروس كورونا غير مبرر وغير مقبول، فالوباء قد أصاب الحشد والحرس الثوري في العراق وإيران، كما أصاب الأمريكان لكنهم يسيرون على استراتيجية وليس تكتيك آني. صحيح أنه في زمن فيروس كورونا تتسع مساحات المسكوت عنه لكن أن نطالب واشنطن بالوفاء بالتزاماتها الإقليمية جراء تشكل فراغ استراتيجي شمال الخليج هو أضعف الإيمان.
* بالعجمي الفصيح:
من قواعد الانسحاب في المستوى التكتيكي تدمير ما تتركه لحرمان العدو. لكن بذريعة التراجع أمام فيروس كورونا يسلّم التحالف الدولي كل يوم قاعدة ومعسكراً في العراق كاملة لـ«القوات العراقية». وهو الاسم التضليلي لفصائل «الحشد الشعبي» والتي هي اسم حركي لـ«الحرس الثوري»، فـ«كورونا» التي يفر منه الأمريكان هي «الحرس الثوري».
* كاتب وأكاديمي كويتي
{{ article.visit_count }}
وليس من العسير ملاحظة أن هناك تناقضات جمة في المشهد في العراق، إذ لا يبدو أن طهران وواشنطن المتراجعتين في العراق وفي الوقت نفسه المغذيتان للفراغ المتشكل تقللان من نبرة التصعيد بينهما، والتي يمكن إرجاعها لخوف ترامب من نجاح طهران في تجيير فيروس كورونا لرفع مستوى التعاون مع الأوروبيين عبر آلية «انستكس». أو بسبب الضربات الصاروخية ضد قاعدتين عراقيتين بهما قوات أمريكية، ثم وضع واشنطن رجالها تحت مظلات باتريوت في 30 مارس 2020. تبع ذلك نزول وباء فيروس كورونا كهدية من السماء لتبرير الانسحاب من شمال الخليج للحفاظ على أرواح الجنود الأمريكان. ومع إدراكنا التام أن كل حرب في الخليج تختلف عن سابقاتها، وندرك أيضاً أن الانكماش الأمريكي قد يكون جراء مواجهتهم لعدو مختلف وليس حرباً مختلفة، لكن الاستراتيجيات الدفاعية تمقت الفراغ Defense strategies abhor vacuum، مما يعني أن أحداً سيقفز في العراق. متمنين أن لا يصل الانكماش الأمريكي لقواعدهم في الخليج.
يدفعنا هاجس الخوف من الانكماشات الأمريكية أنه في زمن أفضل وقبل فيروس كورونا هوجمت السفن في المياه الخليجية في الصيف الماضي فتقاعست واشنطن وأرسلت مخفراً متقدماً هو الحاملة إبراهام لنكن، لكن لم يحل ذلك المخفر قضية سفينة واحدة حتى اليوم، فلم تنفع الحاملة أمريكا ولم تنفعنا. فهل الانكماش الأمريكي قرار استراتيجي توخياً لنتائج مستقبلية أم أنه تكتيك لنتائج حالية؟! على صانع القرار السياسي الخليجي أن يتمتع بإدراك جاد لمحيطه وبيئته، فالشلل الأمريكي بزمن فيروس كورونا غير مبرر وغير مقبول، فالوباء قد أصاب الحشد والحرس الثوري في العراق وإيران، كما أصاب الأمريكان لكنهم يسيرون على استراتيجية وليس تكتيك آني. صحيح أنه في زمن فيروس كورونا تتسع مساحات المسكوت عنه لكن أن نطالب واشنطن بالوفاء بالتزاماتها الإقليمية جراء تشكل فراغ استراتيجي شمال الخليج هو أضعف الإيمان.
* بالعجمي الفصيح:
من قواعد الانسحاب في المستوى التكتيكي تدمير ما تتركه لحرمان العدو. لكن بذريعة التراجع أمام فيروس كورونا يسلّم التحالف الدولي كل يوم قاعدة ومعسكراً في العراق كاملة لـ«القوات العراقية». وهو الاسم التضليلي لفصائل «الحشد الشعبي» والتي هي اسم حركي لـ«الحرس الثوري»، فـ«كورونا» التي يفر منه الأمريكان هي «الحرس الثوري».
* كاتب وأكاديمي كويتي