لو كانت برمجة البشر مثل برمجة الحواسيب الإلكترونية أو لنقل مثل الرجال الآليين «الروبوتات»، كيف ستكون مخرجاتهم؟ أعني كيف ستكون قراراتهم؟ وعلى أي أسس سوف تبنى؟!
هل يمكنني القول إن الرجال الآليين أو الأجهزة الحاسوبية «أكثر إنسانية» من الإنسان نفسه في يومنا الحالي؟! وذلك قياساً على المخرجات الصادرة عنهم، بمعنى أنك لو أدخلت معادلة بسيطة في نظام هذه الحواسيب أو الرجال الآليين المبرمجين وفق منظومة إلكترونية ذكية، فإن النتيجة ستكون واحدة، والإجابة ذاتها لن تتغير، طالما المعطيات والمدخلات واحدة، بمفهوم أبسط فإن هذا النظام الإلكتروني «الثابت» في معادلاته لن تختلف لديه النتيجة بشأن فلان أو علان طالما المدخلات متطابقة.
لن أضيعكم أكثر؛ إذ مبعث الحديث مشاهدات ووقائع معنية بأفراد نقلوا إليّ همومهم الممتدة ردحاً من الزمن، وهي ذاتها مشاهدات مرت علي مراراً طيلة حياتي المهنية، وهنا أتحدث عن عملية «إنصاف» البشر، وإرساء قواعد «العدالة» بطريقة لا تؤثر عليها مؤثرات «متحيزة» ترتبط ارتباطاً مباشراً بمشاعر الشخص أو مخططاته أو سلوكاته.
يقول لي محدثي: تخيل أنني منذ عشر سنوات على نفس درجتي الوظيفية لم أتحرك قيد أنملة، رغم أنني مستحق للترقية منذ سنوات، وأمتلك مؤهلات تتفوق على الكثيرين، فأنا أحمل درجة الامتياز في البكالوريوس والماجستير، وقد وعدني المسؤولون عني في العمل بالترقية وأنها حق مستحق لي منذ سنوات، لكنني أتفاجأ بوجوه جديدة تنضم للعمل وكثير منهم أقل مؤهلاً وخبرة، فإذا بهم يقفزون قفزات أمامي وأنا واقف مكاني. وكلما استفسرت لا تكون الإجابات مقنعة، بل هي عبارة عن «لف ودوران» لإغلاق الموضوع.
سألته: ألم تراجع المسؤولين؟ ألم تسأل عن الأسباب؟ أجابني: عشرات المرات، حتى اكتشفت أنني لست في «مزاج المسؤولين»، بل المستفيد هم المقربون منهم ومن يمثلون لهم حاشية، بل هناك علاقات اجتماعية تنسف ما يقال عن تقدير الكفاءات وتمكينهم، بالتالي الطموح يقتل والكفاءات يصيبها الإحباط، وهأنذا أبحث عن موقع عمل آخر، وليت مسؤولي الجديد يكون حاسباً آلياً أو رجلاً آلياً حتى يكون «إنسانياً أكثر»!
هذه حالة واحدة، وهناك على شاكلتها حالات عديدة، كثير منهم يعانون من ظلم إداري، ومن تعطيل للترقيات، ومن استنزاف ذهني وإرهاق نفسي، فقط لأنهم ليسوا ضمن «مزاج المسؤول»، فتتحول أحقيتهم في الترقيات إلى عملية «تصفيات»، سواء أكانت تصفيات لحسابات معينة لا علاقة لها بالمهنية ولا العدالة، أو تصفية لطاقات عبر أسلوب التطنيش والركن حتى تخرج بنفسها، وهنا أجزم أن هناك نماذج لديها القدرة على كتابة كتاب ضخم بعنوان: «كيف تقتل الكفاءات وتدفعها لمغادرة مواقع العمل»!
هل أبالغ؟! تعرفون أن الجواب «لا»، بل انتقاء الكلمات في السطور أعلاه تم بعناية حتى لا يزعل بعضهم ممن يعرفون أنهم يمارسون إجحافاً إدارياً واضحاً، لكن من يحق لهم الزعل بالفعل هم الكفاءات التي تعاني بسبب محسوبيات وسوء إدارة، من يفترض بهم الضيق هم من صرفت عليهم الدولة آلاف الدنانير في ابتعاثات ليكونوا عماداً للمستقبل، ثم يأتيك مسؤول يقف «حجر عثرة» في طريقهم، وكأنه يتحدى الدولة في استثمارها لأبنائها.
إن كنتم بالفعل تنشدون التطوير والإصلاح الإداري، فابحثوا عن هذه الحالات في كل قطاع لتنصفوها وتحافظوا على استثمار الدولة فيها، وصدقوني ستجدون أموراً يندى لها الجبين.
{{ article.visit_count }}
هل يمكنني القول إن الرجال الآليين أو الأجهزة الحاسوبية «أكثر إنسانية» من الإنسان نفسه في يومنا الحالي؟! وذلك قياساً على المخرجات الصادرة عنهم، بمعنى أنك لو أدخلت معادلة بسيطة في نظام هذه الحواسيب أو الرجال الآليين المبرمجين وفق منظومة إلكترونية ذكية، فإن النتيجة ستكون واحدة، والإجابة ذاتها لن تتغير، طالما المعطيات والمدخلات واحدة، بمفهوم أبسط فإن هذا النظام الإلكتروني «الثابت» في معادلاته لن تختلف لديه النتيجة بشأن فلان أو علان طالما المدخلات متطابقة.
لن أضيعكم أكثر؛ إذ مبعث الحديث مشاهدات ووقائع معنية بأفراد نقلوا إليّ همومهم الممتدة ردحاً من الزمن، وهي ذاتها مشاهدات مرت علي مراراً طيلة حياتي المهنية، وهنا أتحدث عن عملية «إنصاف» البشر، وإرساء قواعد «العدالة» بطريقة لا تؤثر عليها مؤثرات «متحيزة» ترتبط ارتباطاً مباشراً بمشاعر الشخص أو مخططاته أو سلوكاته.
يقول لي محدثي: تخيل أنني منذ عشر سنوات على نفس درجتي الوظيفية لم أتحرك قيد أنملة، رغم أنني مستحق للترقية منذ سنوات، وأمتلك مؤهلات تتفوق على الكثيرين، فأنا أحمل درجة الامتياز في البكالوريوس والماجستير، وقد وعدني المسؤولون عني في العمل بالترقية وأنها حق مستحق لي منذ سنوات، لكنني أتفاجأ بوجوه جديدة تنضم للعمل وكثير منهم أقل مؤهلاً وخبرة، فإذا بهم يقفزون قفزات أمامي وأنا واقف مكاني. وكلما استفسرت لا تكون الإجابات مقنعة، بل هي عبارة عن «لف ودوران» لإغلاق الموضوع.
سألته: ألم تراجع المسؤولين؟ ألم تسأل عن الأسباب؟ أجابني: عشرات المرات، حتى اكتشفت أنني لست في «مزاج المسؤولين»، بل المستفيد هم المقربون منهم ومن يمثلون لهم حاشية، بل هناك علاقات اجتماعية تنسف ما يقال عن تقدير الكفاءات وتمكينهم، بالتالي الطموح يقتل والكفاءات يصيبها الإحباط، وهأنذا أبحث عن موقع عمل آخر، وليت مسؤولي الجديد يكون حاسباً آلياً أو رجلاً آلياً حتى يكون «إنسانياً أكثر»!
هذه حالة واحدة، وهناك على شاكلتها حالات عديدة، كثير منهم يعانون من ظلم إداري، ومن تعطيل للترقيات، ومن استنزاف ذهني وإرهاق نفسي، فقط لأنهم ليسوا ضمن «مزاج المسؤول»، فتتحول أحقيتهم في الترقيات إلى عملية «تصفيات»، سواء أكانت تصفيات لحسابات معينة لا علاقة لها بالمهنية ولا العدالة، أو تصفية لطاقات عبر أسلوب التطنيش والركن حتى تخرج بنفسها، وهنا أجزم أن هناك نماذج لديها القدرة على كتابة كتاب ضخم بعنوان: «كيف تقتل الكفاءات وتدفعها لمغادرة مواقع العمل»!
هل أبالغ؟! تعرفون أن الجواب «لا»، بل انتقاء الكلمات في السطور أعلاه تم بعناية حتى لا يزعل بعضهم ممن يعرفون أنهم يمارسون إجحافاً إدارياً واضحاً، لكن من يحق لهم الزعل بالفعل هم الكفاءات التي تعاني بسبب محسوبيات وسوء إدارة، من يفترض بهم الضيق هم من صرفت عليهم الدولة آلاف الدنانير في ابتعاثات ليكونوا عماداً للمستقبل، ثم يأتيك مسؤول يقف «حجر عثرة» في طريقهم، وكأنه يتحدى الدولة في استثمارها لأبنائها.
إن كنتم بالفعل تنشدون التطوير والإصلاح الإداري، فابحثوا عن هذه الحالات في كل قطاع لتنصفوها وتحافظوا على استثمار الدولة فيها، وصدقوني ستجدون أموراً يندى لها الجبين.