كتبت - غفران علي:
«ذات يوم سيئ كنت أمشي في الطريق وباغتتني قطة سوداء مرت على مقربة منيّ وحينها ركضت صارخةً ودخلت في نوبة من البكاء، وكاد أن يغمى عليّ، وأتذكر أن يومها لم أستطع النوم» هكذا وصفت ناهد عباس (21 عاماً)، معاناتها من فوبيا القطط. وتضيف «في الحقيقة أنا أشعر بالخوف وعدم الأمان والاشمئزاز من جميع الحيوانات ولاسيما القطط». فيما أكد مختصو علم نفس وأطباء نفسيون أن الفوبيا خوف مرضي دائم، معتبرين أن الخوف يتحكم في الإنسان بواسطة الخيال والوهم الذي يخضعنا لتأثير الأشباح والطيوف والعفاريت.
ويحدث أحياناً أن نخاف من أمرٍ ما، وأن نتصرف تصرفات لا شعورية تبعاً لمخاوفنا. ويحدث أحياناً أن نبكي بشكل هستيري، وأن نجري مسرعين ابتعاداً عن أمرٍ يذعرنا. ويحدث أحياناً أن نتوجس أشياءً لن تحدث، ونهلوس بأشياء كالطلاسم لأننا في مكان يرعبنا. قد يحدث لنا كل هذا أو بعض هذا بصفة متكررة من الشيء ذاته، فنتساءل هل هذه فوبيا؟ وما هي الفوبيا؟ وما أعراضها؟ وما أنواعها؟ وما هي مسببتها؟ وكيف نعالجها؟. وذات المعاناة من القطط تواجه زهراء محمد، حيث تقول «حين أمشي ويقول لي أحدهم إن هناك قطة في مكان ما أصرخ بأعلى صوتي وأرتجف وأصاب بحالة هستيرية قد تصل لحد البكاء، ولا يهمني المكان الذي أتواجد فيه ولا إن كان يراني أحد أو لا». وحول سؤالنا لها عن إذ حاولت مواجهة خوفها أجابت «حاولت التغلب على فوبيا القطط لكنني لم أفلح في الأمر».
فوبيا الكلاب
تقول سكينة ضيف (21 عاماً) «قبل خمسة أعوام كنت أمارس رياضة المشي بصحبة زوجة أخي، وبينما نحن كذلك إذ اعترض طريقنا كلب بوليسي، وما إن رأيته بدأت أجري وأصرخ مذعورةً، وإذا بالكلب يجري خلفي وينبح، بقيت على هذه الحالة حتى نفذت طاقتي ولم يعد بمقدرتي الجري أكثر، وجاء الكلب وعضني في رجلي، وكان سيواصل الأمر لو لم يأتِ صاحبه ويبعده عني».
تضحك سكينة ضيف وتعلق «لا يمكنني نسيان هذا الموقف لأنه تسبب في إصابتي بفوبيا الكلاب، فكلما رأيت كلباً أقلق قلقاً شديداً، وتتسارع دقات قلبي، وأشعر بعدم الأمان، وبأن الخطر محيط بي».
فوبيا العناكب
تؤكد ولاء هاني (19 عاماً) «أنا خوافة من الحشرات ولاسيما العناكب».
وتضيف ولاء «قبل 5 سنوات كنت جالسة في المنزل أشاهد التلفاز وفجأة لمحت عنكبوتاً على قدمي وعندها سارعت بالاستحمام لأتخلص من القشعريرة، وليلتها لم يغفُ لي جفن، ومن ذلك اليوم إلى الآن حين أرى عنكبوتاً -بشكل ملموس أو على التلفاز أو في صورة- أشعر بالقشعريرة، والرغبة في حك جسمي بيدي، وترافقني نوبة من الصراخ، وأبدأ بالقفز وأسارع بالهروب، ولم أفكر أن أتعالج يوماً لأنني أعتقد أن الجميع يخاف من الحشرات وخاصةً فئة الإناث».
فوبيا الحشرات والزواحف
تجيب علينا مباشرةً أم زينب (25 عاماً) «أنا لا أعلم إن كان ما أشعر به فوبيا أم لا، لكنني أخاف من الحشرات والزواحف بشكل كبير، ولا أتمالك نفسي حين أراها أمامي وأبدأ بالصراخ والفرار وأشعر بالقشعريرة والرغبة في البكاء، وحتى إذا شاهدتهم في التلفاز، أو سمعت أحدهم يتكلم عنهم أشعر أنهم أمامي و أتحسسهم فوق ظهري، وحين يحدث أن رأيتهم أو سمعت عنهم شيئًا لا أستطيع النوم).
وتستذكر قائلةً «أنا موظفة ويعمل معي موظفون في ذات القسم، ومن بينهم موظف آسيوي الجنسية كان يتحدث مع زملائه عن لعبه مع ثعبان في فترة وجوده في بلدهم الأصلي، وبقيت صامتةً ومحافظة على ثباتي، وهو يواصل حديثه، وفي النهاية لم أتمالك نفسي وبدأت بالصراخ، وهممت بالخروج من عملي».
فوبيا الطائرات
وفي حوار مع بشرى محمد (21 عاماً)، تستذكر قائلةً «حين تبدأ الطائرة بالإقلاع لا أنبس ببنت شفة، بينما تتسارع نبضات قلبي وتبرد أطرافي ويصاب رأسي بالدوار، وأشعر برغبة في التقيؤ، ويحدث أحياناً أن أتقيأ بالفعل، ويظل يهاجمني هاجس سقوط الطائرة طوال الرحلة من ساعة الإقلاع إلى وقت الهبوط».
وتعلق «أشعر أن فوبيا الطائرات تزداد داخلي مرةً بعد مرة، ولم أفكر في البحث عن علاج لها لأنها لا تشكل عبئاً عليّ؛ وذلك لأنني لست كثيرة الترحال والسفر».
فوبيا الدرج المتحرك
أم عبدالله (52 عاماً) تتذكر «في أحد الأيام صعدت بالدرج الكهربائي المتحرك وسقطت وتقلبت وتألمت، ومن ذلك اليوم وأنا أتجنب صعود الدرج المتحرك، وحتى إنني كنت أتسوق في أحد المتاجر ذات مرة واحتجت غرضاً من الطابق الثاني، وفي هذا المتجر لا يصل الطابق الأول بالطابق الثاني سوى الدرج المتحرك، فطلبت من ابنتي الذهاب نيابةً عني والقيام بالمهمة».
وتضيف أم عبدالله «حين أضطر إلى الصعود عبر الدرج المتحرك أقرأ البسملة والمعوذات مراراً وتكراراً، وأبقى متمسكةً بيد أحدهم، وتتسارع نبضات قلبي، ولا تهدأ إلا إذا وضعت رجليّ على أرضية الطابق المطلوب».
فوبيا المصعد الكهربائي
«ذات يوم خرجت بصحبة صديقاتي إلى أحد المجمعات التجارية، وأصروا على النزول عن طريق المصعد الكهربائي، وبرغم قصر مدة النزول إلا أن قلبي يدق بسرعة من شدة الخوف، وجسدي تعرق من كثرة القلق، وأطرافي أصابها التنمل». هكذا تسرد زينب المحاري (21 عاماً)، حكايتها مع المصعد الكهربائي.
تفكر قليلًا ثم تواصل حديثها «منذ ست سنوات توقف المصعد الكهربائي وأنا بداخله، ولهذا أنا الآن أعاني من فوبيا المصاعد الكهربائية، وكلما اضطررت لدخول المصعد الكهربائية حاصرتي هواجس توقفه ونحن بداخله».
وتضيف «تعاتبني عائلتي كثيراً، وتحاول تشجيعي على نزع مخاوفي وهواجسي، ولكن ما من جدوى».
فوبيا التغيرات الجوية
تتردد قليلاً ثم تقول «عن سماعي أو رؤيتي لعاصفة أو رعد أو برق أصاب بالهلع الشديد، ويخال إليّ أنني سأموت وأن المبنى الذي أنا بداخله سيحترق، وإذا كنت نائمةً أنهض ولا أستطيع العودة للنوم» هكذا تحدثت كبرى العلوي (25 عاماً)، عن الفوبيا التي تعانيها.
وتؤكد صديقتها فاطمة علي (25 عاماً) «تعجبت عندما قالت لي عن حالة خوفها، ولم أصدق أن هناك أشخاص يخافون كل هذا الخوف من الرعد أو البرق، لكنني مؤخراً اكتشفت أنها تعاني فعلياً من فوبيا»!
تتوقف عن الحديث قليلاً ثم تضحك قائلةً «عندما كانت «كبرى» في بيت أهلها كانت أمها تلازمها وتجلس معها عند حلول العواصف أو حدوث البرق والرعد، ولكن عندما تزوجت، وتغيرت الأحوال الجوية، ووقع البرق وحلّ الرعد، حاولت بشتى الطرق إيقاظ زوجها، والتعبير له عن مدى خوفها وارتعابها، ولكنه كان يغط في نومٍ عميق، وهي بقت مستيقظةً ومتمنية أن تكون في هذه اللحظة في بيت أهلها لتحظى بمرافقة أمها لها»!
فوبيا الإبرة
«أنا أعاني من فوبيا الحقن الإبر» بهذه الجملة شاركتنا سوسن الموسوي (20 عاماً) محنتها مع الحقن.
وتضيف «بدأت معي هذه الحالة مذ كنت طفلة، فكلما حان وقت التطعيم أشتد عليّ الخوف، ومن المواقف التي مرت عليّ ولا يمكنني نسيانها، هي أنني رافقت أختي الصغيرة ذات عمر السنتين إلى المستشفى لأنها كانت تعاني من حمى شديدة، وحين قابلتنا الممرضة أكدت أنها تحتاج إلى حقنة إبرة كي تستعيد صحتها، ومن هنا بدأت الممرضة في البحث عن عرق في يد أختي لتغرس الإبر فوقه، ولكن الأمر استمر ما يقارب 15 دقيقة، وأختي بدأ يعلو صوت بكائها، وأنا بدأ يعلو صوت خوفي من الإبر، وفجأة شعرت بالدوار، سقطت مغشياً عليّ».
فوبيا الجراثيم
تقول معصومة السيد (20 عاماً) «أنا أتحمم عدة مرات في اليوم الواحد، وأغسل يدي عدة مرات قبل الأكل، وحين أذهب للأماكن العامة أضع حاجزاً على المقاعد قبل الجلوس عليها، كما إنني أخاف من مسك الأبواب عند فتحها كي لا تلتصق الجراثيم في يدي، وأحياناً يصل الأمر بي أن أطلب من أحدٍ أن يفتح الباب نيابة عني لكي أتحاشى الأمر».
وتضيف «تلازمني هذه الحالة منذ أربع سنوات وأشعر أنني أعاني من فوبيا الجراثيم، وقد حاولت التخلص من بعض عاداتها كالتقليل من الاستحمام المفرط، والجلوس على المقاعد بدون حواجز لأن المحيطين بي ازداد ضيقهم وانزعاجهم من خوفي».
فوبيا العفن
تعاني ولاء عبدالجليل (21 عاماً) من فوبيا غريبة من نوعها، فهي لا تقترب من فاكهة أو خضار أو ألبان أو خبز عليه آثار عفن!
وتضيف «حين كنت في المرحلة الابتدائية كانت أمي تضع في حقيبتي المدرسية فطيرة جبن، ولا آكل منها، وتأتي العطلة الأسبوعية وتنتهي، والفطيرة في مازالت في الحقيبة، وحين أفتح الحقيبة أفاجأ باكتساب الفطيرة للون الأخضر، فأخاف من منظرها وأصرخ، وإلى الآن مازلت حين أرى شكل العفن أصرخ بشكل هستيري، وأفر هاربةً».
وحين سألناها عن رد فعل المحيطين بها أجابت «والداي وإخوتي يعتقدون أنني أتدلل وأبالغ في الأمر، لكنني أعتقد أنها فوبيا».
الفوبيا مرض أم حالة طبيعية؟
أشار أستاذ علم نفس في جامعة البحرين عبدالله العاثم إلى أن الفوبيا هي خوف مرضي دائم من وضع أو موضوع (شخص أو شيء أو موقف أو فعل أو مكان) غير مخيف بطبيعته، ولا يستند إلى أساس واقعي، ولا يمكن ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه، ويعرف المرض أنه غير منطقي ورغم هذا فإن الخوف يتملكه، ويصاحبه القلق والعصبية والسلوك القهري.
وحول أعراض الفوبيا، قال العاثم إن «أعراض الفوبيا كثيرة، وقد تتمثل في القلق، والتوتر، وضعف الثقة بالنفس، والشعور بالنقص، وعدم الشعور بالأمن، والتردد، وتوقع الشر، والانسحاب، والتهاون، والإجهاد، والصداع، وخفقان القلب، وتصبب العرق، والتقيؤ، وآلام الظهر، والتبول.
وممارسة السلوك التعويضي مثل النقد والسخرية والتحكم وتصنع الوقار والجرأة والشجاعة، وكذلك توارد الأفكار الوسواسية والسلوك القهري على الفرد، والامتناع عن الأكل في المطاعم أو عن التنزه.
وأشار عبدالله العاثم إلى وجود عدة أسباب وعوامل للفوبيا، أولها الشعور بالإثم وما يرتبط به من مخاوف مرضية، وثانيها الخبرات المخيفة، وكذلك قد تكون الفوبيا دفاعاً ليحمي المريض نفسه من رغبة شعورية (جنسية أو عدوانية في الغالب)، وأيضاً تلعب الإزاحة دوراً دينامياً فعالاً في نشأة الفوبيا حيث ينتقل الانفعال من مصدره الأصلي إلى بديل أكثر قبولاً (مثل الطفل الذي لديه فوبيا من المدرسة وتكون هذه الفوبيا بديلاً تلقائياً يشعر به بسبب انفصاله عن أمه).
أشكال الفوبيا
ذكر استشاري أمراض نفسية في مستشفى الطب النفسي د.شبر القاهري أن المخاوف تنقسم إلى قسمين، القسم الأول يندرج تحته المخاوف العامة وتعني الخوف مبالغ فيه من كافة هذه الأشياء التي يكرهها الناس جميعاً ويهابونها إلى حد ما مثل الظلام مثل (الوحدة، الموت، المرض، والثعابين)، والقسم الثاني يندرج تحته المخاوف النوعية وتعني الخوف من أشياء خاصة لا تبعث الخوف في نفس الشخص السوي مثل الخوف من الأماكن المتسعة، وبعض وسائل النقل، والأماكن الضيقة.
وأوضح د.القاهري أن من واجب الأبوين خاصة والأهل عامة وكذلك المجتمع في محاولة تحرير الفرد من المخاوف التي لا لزوم ولا مبرر لها ليكون خوفه طبيعياً وسوياً وغير مبالغ فيه، وأما المخاوف المرضية والمخاوف التي تنقص العيش، وتعيق عملية التكيف وتحول بين الإنسان والحياة العادية السوية فقد يفيد فيها ما يلي:
العلاج الجسدي ويعني أن صاحب البنية الضعيفة والأعصاب الهشة والمريض هو أقرب إلى الخوف من غيره من الأسوياء، وقد يكون حينئذ الدواء المقوي واستعادة الصحة والنظرة المتفائلة للحياة دعائم للعلاج.
ضبط الخيال ويعني أن الخوف يتحكم في الإنسان بواسطة الخيال والوهم، فالوهم هو الذي يخضعنا لتأثير الأشباح والطيوف والعفاريت ولذلك كان من واجب المربي أو المستشار النفسي أن يعود الطفل بشكل خاص أو الفرد بشكل عام على ضبط خياله دون القضاء عليه.
العادة وهي وسيلة مهمة من وسائل القضاء على المخاوف، وذلك بتعويد الطفل بشكل خاص والفرد بشكل عام على السير في الظلام مثلاً، ومواجهة الأمور التي تخيفه، وهي الطريقة الوحيدة التي تخلصه من مخاوفه.
الإيحاء وهو من أهم أنواع العلاج، وينحصر في أن يكرر الخائف القول لنفسه إنه لا يخاف وإنه شجاع، وأن يتصرف تصرف الشجعان، ويتخذ مواقفهم وأوضاعهم الجسدية والنفسية على حد سواء.
المعرفة وهي وسيلة أساسية ومهمة؛ وتأتي بتعريف الفرد بموضوع خوفه ومساعدته على أن يراه على حقيقته، ولاشك في أن حسن المحاكمة، وصحة الإدراك، واللجوء إلى العلم، وتعويد الفرد على ضبط النفس، كلها أسس مهمة للوقاية والعلاج.