كتبت - عايدة البلوشي:
مبادرة نسيم لجمعية ملتقى الشباب البحريني، كشفت عن طاقات رائعة تحدت الإعاقة التي جاءت كالصاعقة على أناس أصحاء؛ ومضت ولاتزال في طريق الإبداع والتميز.
هؤلاء قدموا أعمالاً فنية مختلفة من رسم وخط وصور فوتوغرافية وكاريكاتير وقصص قصيرة وموسيقى وفلم قصير وغيرها، جميعها مستوحى من قصص 20 حالة مذهلة وملهمة، تحدثت لـ «الوطن» عن قصة الصبر والتحدي...
تقول إيمان العنزي - 22 سنة- عند بلوغي سن الثانية عشر شعرت بألم يغزو ظهري، لم أعرف ما سر هذا الألم ولكني كنت أتوقعه ألم مؤقت ويزول، حتى أخبرت والدي باستفحال الألم لحد لا يمكنني التصبر عليه، تم أخذي للمستشفى لعمل الفحوصات. كانت نتائج الفحوصات تشير إصابتي بانحناء في العمود الفقري للظهر، بعدها سافرت للعلاج لكن حَدث خطأ طبي أثناء إجراء العملية وانتكاسات أدت للدخول في غيبوبة !.
وتضيف: عندما أفقت من سُباتي لمدة شهر حَمدتُ الله أنه حفظني من كل سوء، لكن الصدمة أتت مُباغتة بعد أيام حينما اكتشفت فقداني قدرتي على الحركة وأن قدمي باتت ميتة ! في الحقيقة لم تكن صدمتي بذاك الكَم من النُكران، بل كانت تجتاحني طاقة مُذهلة للتعايش مع ذاتي الجديدة ! لم أعاني كثيراً في تقبل نفسي وأن أُكن صديقة جديدة لي .. ذهبت لمَصَح تأهيل لمدة ستة أشهر وتجاوبت مع كافة التدريبات والعلاج وخلالها تعلمت كيفية التعايش بكرسي متحرك والتعامل مع نفسي ومع الناس.
الأماني بعدد النجوم
القصة الأخرى يرويها عبدالناصر السادة – 33 سنة - كان شعور الحماس هو المسيطر عليَ في فترة التدريب على شغفي الأول وهو الدراجة النارية للمشاركة في البطولة الخليجية. وبينما أنا أتدربُ للبطولة، اصطدمت بحاجز مما أدى لارتفاعي في الهواء بشكلٍ كبير وسقوطي على الأرض بشكلٍ عنيف ومن ثم فقدت وعيي. نُقلت على إثر ذلك للمشفى ليتبينَ بأنني قد فقدت قدرتي على حركة رجلاي وقد أجريت لي عملية لتثبيت العمود الفقري وعانيت من ألم جسدي شديد وحالة نفسية صعبة. ثم سافرتَ إلى ألمانيا حيث تلقيت العلاج الصحي والنفسي لمدة 8 أشهر، تحسنت حالتي من بعدها حيث أجريت عملية أخرى استطعت بعدها الجلوس والتأقلم مع كرسي متحرك، وبعد فترة وبفضلٍ من الله استطعت تقبل حياتي الجديدة والتأقلم مع حالتي. وتبقى الأماني في كل ليلة بعدد النجوم تعيدُ نفسها، ويبقى الأمل ماء أينع حياة كل حي.
التحليق رغم اليأس
ومع شروق الشمس قد تظهرُ لنا أقدار لم تكن في الحسبــــــان، كذلك محمـــد المنامـــي -41 سنة - في صباح أحد الأيام وهو في طريقه لعمله، جرى له حادث ما أدى لانقلاب السيارة به، ونتيجة لذلك نقل للمشفى، ليتبيـــنَ بأنـــــــــهُ قد أصيبَ بإصابـــة في فقرات الظهر ورضوض في الرئة أقعدته على كرسي متحرك. وعلى إثر ذلك، اضطر محمد للتقاعد من عمله في سن مبكر ليواجه بعدها حالة مادية صعبة وضغوطات نفسية كبيرة. إلا أنه كان محلقاً بعيداً عن اليأس بفضل وعيه بأنه في موضع ابتلاء وبفضل وقوف الأهل والأصدقاء إلى جانبه.
تدرج محمد في العلاج، فبعد سفره للخارج للعلاج واستمراره على العلاج الطبيعي استطاع أن يمشي على رجليه من جديد. ولكي يؤمن حياة كريمة لأبنائه، بات محمد يعطي دروساً خاصة لطلابَ المدارس وعند نجاح أي طالب من طلابه ترتسمُ البسمة وسط أعماقه. ومحمد صاحب الإرادة القوية يطمحُ لتشغيل مشروع عمره الآن.. وهو محل لقطع غيار السيارات، لكنه يواجه الآن صعوبات للحصول على تمويل لرأس المال ليبدأ به مشروعه ولكنه على يقين بأن الإصرار والسعي الحثيث لتحقيق الطموح أقوى من أي معوقات.
التمسك بالصبر
أما محمد سلمان -30 سنة- فيقول: - كنتُ في التاسعة من عمري، كنتُ حينها الطفل المدلل لوالدتي، كنتُ ذا الابتسامة الشقية ولكنني نتيجة لعاصفة القدر قد رُميتُ في عالمٍ تتلاشى فيه الأحلام. في أحد الأيام كنتُ ألعب في المطبخ وفجأة اصطدمت بالفرن مما أدى لانسكاب أبريق الشاي الساخن فوقي. نتيجة ذلك نُقلت للمشفى وتبين بأنني قد أُصبت بحروقٍ من الدرجة الثالثة على الرقبة والظهر واليد، مما أدى لانعدام قدرتي على الحركــــة بشكل طبيعـــي، وعلى إثــر ذلـــــــك مكثـت في المشفى لمدة دامـــــت عام، توقفت فيه عن إكمال دراستي، هو عام من انقطاع الأحلام، عام من استمرار الآلام، وبعـــــده أكملـــــتُ رحلتــي الدراسيـــة والتحقت بالتأهيـــــل المهنـــي للمعاقين لكنني لم أجد بعدها وظيفة تناسب قدراتي، كان الألم هنا يعتصر قلبي، وكانت الدموع هنا هي من تعزيني في موت أحلامي، لكنني بعدها بدأت أتأقلم مع حالتي، متمسك بالصبر راضياً بقضاء الله وقدره، وكلي أمل أن أحصل على مساعدة من وزارة الصحة لأتمكن من العلاج في الخارج.
محارب الشلل
كذلك خالد جناحي -19 سنة – يقول: في يوم كنت فيه مع أصدقائي نتبادل الحديث والضحك، وفي أثناء ذلك جاء أحد الزملاء يريد أن يمازحني فباغتني من خلفي وأوقعني أرضاً. أذكر أنني كنت على وجهي بعد أن سقطت على رأسي. كنت عالقاً لا يمكنني أن أتحرك وأنا لم أكن أعرف ما كان يحدث. من بعدها أخذني صديقي المقرب إلى المشفى وجاء الجميع بسرعة وضعوا علي الأسلاك في كل مكان بجسدي. كنت مندهشاً مما آل إليه هذا الحادث وأرداني شاباً مشلولاً، لا أستطيع الحركة ولا أحمل الأشياء ولا حتى أشعر بجسدي. ولكنني لم أفقد الأمل، بل دخلت في تحدٍ مع النفس وأطلقت على نفسي لقب «محارب الشلل» وأبيت إلا أن أهزمه وأن أسترجع حياتي من جديد. فقد أجريت أكثر من 7 عمليات في فترة أقل من سنة، فمن طريح للفراش لا أقوى على أدني حركة إلى شاب قد نزع الرباط المساند للرقبة ويمشي على كرسي متحرك بل واستطعت أن أخطوا خطواتي الأولى ومازال القتال مستمراً ولن أقبل بالهزيمة أبداً.
باسق كالنخيل
وتعود قافلة الحياة بجاسم بورويس -57 سنة- إلى الوراء «حيث الصبابة والطفولة، حيثُ عشقي لكرة القدم الذي يكبرُ كلما كبرَ عمري، تعود بي إلى حادثةٍ قد تظنون بأنها غيرت مجرى حياتي، ولكنها لم تغير شيئاً سوى أنها زادتني صموداً وإصراراً، كنتُ حينها في الثانية عشرةَ من عمري، أتمشى بجانب أحد العيون، التي كان بداخلها آلة تسحبُ الماء من العين وتمد به النخيل، وفجأة شعرت بدوارٍ في رأسي أفقدني توازني فسقطت في العين وضربت قدمي هذه الآلة فتضررت، ولأن المستشفيات كانت شحيحة والوعي الطبي كان ضعيفاً في تلك الأيام، أخذني والدي لإحدى المُداوين بالطب الشعبي ولكن! بعد أسبوع ساءت حالتي واسودت رجلي، فأخذني بعدها والدي للمشفى وحينها قررَ الطبيب وجوب قطع قدمي، حينها كأنما النخيل الباسقات قد أسقتني قوتها، فلم أشعرُ بأي آلام نفسية. إعاقتي لم تعيقُني في شيء، فبإعاقتي أكملت دراستي، وبإعاقتي حصلت على وظيفة مناسبة وبإعاقتي تزوجت وأنجبت أبناء، ورغم إعاقتي مازلت أمارس لعب كرة القدم وأنافسُ فيها الشباب الأصحاء، كما إنني حققت عدداً من البطولات، فلا ريح تهز جبل، ولا صعوبات تقف في وجه مخلوق إن أراد ولا يأس والله موجود.