بسبب أن الشعوب العربية إجمالاً تفكر بعواطفها لذا فإنها تدعو في كل مناسبة تشعر فيها بضرورة عمل شيء تجاه إسرائيل أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو غيرها إلى مقاطعة بضائعها والتوقف عن شراء حتى السندويتشات المرتبط اسمها بها، من دون النظر إلى النتائج السالبة التي يمكن أن تتسبب فيها المقاطعة كتضرر المواطنين العاملين في تلك المحلات والمطاعم مثلاً.

واقعاً لم تنجح أي مقاطعة تمت الدعوة إليها منذ أن تم الدخول في طريق المقاطعة؛ لا مقاطعة البضائع المستوردة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ولا مقاطعة المطاعم ذات العلاقة بها، ولا مقاطعة إسرائيل، غاية ما يحدث هو أن البعض يتحمس للمقاطعة ويدعو إلى الإصرار عليها ثم شيئاً فشيئاً تخفت تلك الدعوات وتنتهي المقاطعة.

هذا الكلام موجع لكنه الواقع والحقيقة، فقد تبين أن قرار المقاطعة -خصوصاً في هذه السنين- لا جدوى منه وكل ما يفعله هو أن البعض يشعر بشيء من الارتياح النفسي نتيجة إعلان قرار المقاطعة قبل أن يزول بانتهاء مفعوله. ولأن المقاطعة الجزئية لا معنى لها ولا قيمة، ولأنه لا يمكن مقاطعة شيء دون شيء؛ مقاطعة السندويتشات والملابس مثلاً وعدم مقاطعة السيارات والأجهزة الإلكترونية والإكسسوارات، لذا فإن ناتجاً موجباً من عملية المقاطعة لا يمكن أن يتحقق، وبالتأكيد فإنه وبسبب أن المقاطعة الكلية غير ممكنة واقعاً لذا فإن الفشل يكون دائماً هو النتيجة المنطقية لأي قرار بالمقاطعة.

أيضاً فإن المقاطعة إن لم تؤثر في الطرف المعني بها فلا قيمة لها. هنا مثال. لو أن الدعوة صدرت لمقاطعة أحد المحلات الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية الكبيرة والشهيرة بسبب علاقتها مع إسرائيل أو بسبب موقف البلاد التي تنتمي إليها من قضية عربية أو إسلامية معينة، وعلى افتراض أنه تم الالتزام بقرار المقاطعة من الجميع ولمدة طويلة، فهل يمكن لتلك المحلات أن تفلس مثلاً وتتخذ قراراً بالإغلاق؟ واقع الحال يؤكد أن تلك المحلات تبيع في اليوم الواحد في أي دولة من تلك الدول أكثر مما تبيعه في جل الدول العربية التي لها فروع فيها في شهر أو ربما في سنة. يكفي التذكير بأنها تمتلك في تلك الدول التي بها ملايين البشر عشرات الأفرع.

قرارات مقاطعة البضائع الأجنبية لا تحقق سوى شيء من الرضا عن النفس، فهي مجرد تعبير عن الغضب وإقناع النفس بأننا فعلنا شيئاً مفيداً وأننا "صامدون". هذه حقيقة تغيظ لكن علينا مواجهتها والتعامل معها والقول من دون تردد بأن أسلوب المقاطعة أسلوب غير ذي قيمة ولا يمكن أن ينجح.

مهم أيضاً الإشارة هنا إلى أن القول بأن أسلوب المقاطعة لا يحقق المراد فعله منه لا يعني تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو التوقف عن التحرك ضدها، فإسرائيل دولة مغتصبة ومعاداتها أمر طبيعي وحق لكل العرب بل لكل إنسان يشعر في داخله أن عليه فعل شيء لإعادة الحق إلى أصحابه الحقيقيين. الفكرة هي مواجهة أنفسنا بحقيقة أن أسلوب المقاطعة لا يحقق الغرض المطلوب منه تحقيقه وأنه سلاح ثبت عملياً بأنه غير مؤثر بالمرة وبالتالي فلا قيمة له وينبغي التوقف عنه والتفكير في غيره، ذلك أن الوقت الذي نصرفه في التفكير في طرق المقاطعة والدعوة إليها علينا أن نستفيد منه في التفكير في طرق أخرى نعبر من خلالها عن عدم رضانا وغضبنا من أي أمر له علاقة بإسرائيل أو بأي دولة نعتقد أنها اتخذت قرارات ظالمة بحق القضية الفلسطينية أو بحق دولنا وحقنا كشعوب عربية وإسلامية.

مواجهة هذه الحقيقة وهذا الواقع هو البداية للوصول إلى الطرق الفاعلة والمؤثرة.