واشنطن - (وكالات، الحرة): عمليات التعذيب والاعتقال والاختفاء القسري التي مارسها عناصر في مخابرات الجيش اللبناني بحق مواطنين في الأيام الأخيرة، تطرح أسئلة عما يدور داخل هذه المؤسسة العسكرية التي يتهمها البعض بخضوع بعض مكاتبها لميليشيات حزب الله.

ومنذ أن بدأت احتجاجات لبنان على خلفية الفساد والانهيار المالي، عمد عناصر حزب الله ومؤيدوه إلى الاعتداء على المعتصمين في الشوارع، وفض التظاهرات التي تنادي بمحاسبة الفاسدين ورحيل الطبقة السياسية، التي يشكل الحزب أهم مكوناتها.

وأصدرت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين في لبنان، الأحد، تقريراً يسجل انتهاكات ارتكبها عناصر من مخابرات الجيش في مدن طرابلس وصيدا وصربا، ضد 33 متظاهراً على الأقل، تضمنت جرائم الاختفاء القسري والتعذيب.



وتشهد شوارع لبنان خاصة في مدينتي طرابلس شمالاً وصيدا جنوباً، مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية، بالتزامن مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وتراجع القدرة الشرائية نتيجة الشلل الاقتصادي الذي أصاب البلاد إثر أزمة فيروس كورونا (كوفيد19).

ويعتبر سلوك الأجهزة الأمنية اللبنانية الحالي، مغايراً لما كان عليه الحال خلال الشهور الأولى للتظاهرات التي اندلعت في 17 أكتوبر من العام الماضي، ما جعل نشطاء يتهمون حزب الله باختراق مؤسسات لبنان الأمنية، خاصة جهاز المخابرات التابع للجيش.

ويرى الناشط والباحث، لقمان سليم، أن هناك فروعا للمخابرات "يسيطر عليها حزب الله بالفعل، إلا أن هذا لا يعني هيمنة حزب الله على الجهاز أو فروعه بشكل كامل".

وفي حديث لـ"موقع الحرة" يقول سليم، "موضوعيا، تعتبر مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، مثلها مثل أي مديرية: ميدان تنازع ومحاصصة. فمن المستحسن تمييز مكاتب المخابرات الواقعة تحت هيمنة حزب الله والتيار الوطني الحر "بعبدا وصيدا مثلاً" عن المكاتب التي تقوم بعملها بشكل أكثر انضباطا، أو التي تتبع أوامر القيادة الحالية "للجيش" ــ نموذج مكتب الشوف الذي لم يتدخل كما أريد له خلال حادثة قبر شمون "حادث إطلاق نار على موكبي وزيرين في منطقة درزية"".

وبدأت قصة اختراق حزب الله لأجهزة الأمن اللبنانية -بما في ذلك المخابرات- بمحاولات في منتصف التسعينيات، فيما كان الانخراط الفعلي في عام 2000، عقب انسحاب الجيش الإسرائيلي من المنطقة التي كانت تحت سيطرته جنوبي لبنان.

وقد زادت قناعة الحزب بضرورة الانخراط في المؤسسات الأمنية عام 2005، أي بعد خروج الجيش السوري من لبنان، وفقاً لما أفاد به مصدر مطلع على الملف لـ"موقع الحرة".

وبالفعل، صار الحزب جزءاً من المؤسسات الأمنية باستثناء جهاز الأمن الداخلي، الذي اغتيل مدير فرع المعلومات به، وسام الحسن، بعملية في بيروت عام 2012، نظراً لدوره في كشف اتصالات بين ساسة لبنانيين مع النظام السوري "أحد أقرب حلفاء حزب الله"، وتلقي هؤلاء الأموال والأسلحة.

ولم يسلم جهاز المخابرات اللبناني من الاختراق، حيث سلمت قيادات الجهاز لحقيقة وجود عناصر داخل صفوفه ولائها لحزب الله خاصة خلال فترة الرئيس إيميل لحود الذي تولى قيادة الجيش بين عامي 1989 و1998، قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية.

وقال المصدر لـ" موقع الحرة" إن حزب الله يستغل ضباطا في الجيش تحت ذريعة شعار المقاومة، أو ما يسمى شعار "الثالوث السحري" الذي ظهر بعد عام 2013، وهو "جيش، شعب، مقاومة".

وأوضح المصدر أن العناصر الموالية لحزب الله في الجهاز الأمني، تمكن الحزب من الوصول للأشخاص الذين يصعب على الحزب الوصول إليهم، أو يصعب عليه ترويضهم. كما يوجد تعاون لصيق واتصال مباشر بين الحزب وبين مديرية الأمن العام التي تتحكم في الموانئ والمرافق البحرية والجوية.

من جانبه، يرى النائب البرلماني السابق، مصطفى علوش، أن طبيعة لبنان الطائفية تلعب دوراً هاماً في ولاء بعض عناصر الجيش لحزب الله، من باب "وضع الخدمات من أجل مصلحة الطائفة".

وقال علوش لـ"موقع الحرة، "الأمر لم يقتصر فقط على ولاء بعض الضباط لحزب الله، فهناك عناصر في المحاكم العسكرية ولائها للحزب"، مضيفاً في نفس الوقت أن هذا لا يعني وقوع المؤسسة الأمنية تحت هيمنة حزب الله بشكل كامل.

وأوضح علوش أن هدف حزب الله من قمع الأصوات المعارضة حالياً، هو دعم الحكومة اللبنانية بقيادة حسان دياب "المدعوم من حزب الله" وعدم تغيير النظام الحالي الذي يستفيد منه الحزب.

وبعد تدخل من نقابة المحامين، سمحت السلطات اللبنانية لمحامية بزيارة عدد من الموقوفين لدى مخابرات الجيش اللبناني، حيث أفادت بأن عدداً منهم يتعرضون للعنف المفرط خلال إلقاء القبض عليهم وداخل آليات النقل وأماكن الاحتجاز، بهدف انتزاع المعلومات ومعاقبتهم.

وكشفت أنه لم يسمح لغالبية الموقوفين بإجراء أي اتصال أو ممارسة أي من حقوقهم منذ توقيفهم في 30 مارس، إلا بعد تدخل لجنة الدفاع.

وأكد بعض الموقوفين "تعرضهم للتعذيب والضرب لدى فرع المخابرات بشتى الوسائل، لا سيما من خلال الصعق بالكهرباء، واضطر عدد من المفرج عنهم دخول المستشفى لتلقي العلاج فور الإفراج عنهم"، بحسب بيان اللجنة.

ورغم مطالبات المحامين المتكررة بإجراء معاينة طبيب شرعي لخمسة موقوفين لدى وزارة الدفاع، قررت النيابة العامة العسكرية إرجاء هذا الأمر لغاية يوم الإثنين، ما يخالف موجب التثبت والتحقيق في جرائم التعذيب ويؤدي لإخفاء آثار العنف الظاهرة على أجسادهم بحسب اللجنة.

وأشارت اللجنة إلى أن أغلبية الموقوفين تم إخفاؤهم قسراً دون أن تعرف جهة ومكان احتجازهم لعدة أيام.

وطلبت اللجنة وقف أعمال التعذيب والمعاملة المهينة لجميع الموقوفين، ووقف أعمال الإخفاء القسري وإجراء معاينة الطبيب الشرعي فوراً وبأسرع وقت ممكن للموقوفين الذين تعرضوا للتعذيب وحصر صلاحية مخابرات الجيش وفقاً للقانون.