العالم يعيش حالة من التغيير إلى الطاقة النظيفة.. ولكن!

الزاير: إفراد مساحة وافية لاستخدام الطاقة المتجددة داخل عديد القطاعات التجارية والصناعية

سارة الحارثي: "المتجددة" هي الفرصة التي تُقبِل عليها المنطقة لتحقيق ريادتها في تصدير الطاقة



نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في توليد الطاقة الكهربائية متواضعة ويجب زيادتها


محمد الرشيدات


أكّد مستشار تحوّل الطاقة ومدير إدارة المعلومات في منظمة أوبك سابقاً فؤاد الزاير، أن العالم في كل ثانية يعيش حالة من التغيير إلى الطاقة المتحوّلة أو الطاقة النظيفة، ومثلما تكمن بعض التحديات في مثل هذا النوع من الطاقة، يوجد في المقابل العديد من الفرص الثمينة، وتحديداً في دول الخليج التي تمتلك رزمةً من الإمكانات والمزايا في هذا المجال، كالأراضي الواسعة، والشمس التي على مدار العام، والرياح على شواطئ تصل مساحتها الكلية إلى أكثر من خمسة آلاف كيلومتر، وهي إمكانات يجب استغلالها في توليد الطاقة، وعلى الوجه الأمثل لتوظيف استخداماتها في ما بعد بالمكان الصحيح، مشيراً في الوقت عينه، إلى أنه وفي سبيل إتمام ذلك من العقلانية إبرام تفاهمات مع منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية ومع مراكز تكنولوجية وبحثية محلية وإقليمية وحتى دولية تكون متخصصة وناشطة في هذا البحر العلمي الواسع.

حديث الزاير لـ"الوطن" جاء قبل أن يكون طرفاً في حلقة نقاشية نظّمها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية "IISS"، حضرها ثُلّة من المتخصصين والمهتمين في مجال الطاقة من داخل البحرين وخارجها، دارت في مجملها حول أهمية الطاقة المتجددة وإقامة شراكات جديدة حول هذا النوع من الطاقة في الخليج خاصّة والمنطقة عموماً، حيث أوضح الزاير ما يربط دول الخليج من شراكات كانت عبر الزمن وحتى اللحظة ناجحة بكل المقاييس، وجاء تركيزها في الآونة الأخيرة على الكيمياء العضوية الموجودة في قطران الفحم والنفط الخام والغاز الطبيعي تحت مسميات مختلفة، مثل مظلة الأوبك، التي ترسّخ العلاقة بين دول المجلس وتجمعها تحت سقف واحد، لافتاً إلى أن مجلس التعاون الخليجي يشكّل كتلةً واحدة تحرص دوله على التعامل مع كتل عالمية أُخرى من المنظمات الدولية كمنظمة الطاقة المتجددة الموجودة في أبو ظبي والعديد من شبيهاتها في العالم.

وحول سؤال "الوطن" الذي جاب محور التحالفات الحديثة في مجال الطاقة والانفتاح على العالم بنطاقه الشمولي، بيّن خبير الطاقة حقيقة الواقع الذي يُفضي إلى أن الهيدروكربون من النفط والغاز سيبقى متوفّراً وضمن حدوده الآمنة لمدّة طويلة، وهذا ما يؤكّد أن البترول والغاز والاعتماد على الوقود الأحفوري حاجات ضرورية لا يمكن التقليل منها، لأن استهلاك العالم من النفط والغاز يشكّل 50%،على أن يستمر هذا السيناريو حتى العام 2050 وتحت جميع الظروف، وعليه، من المهم جداً أن أية تحالفات جديدة بين دول الخليج وبلدان أُخرى عالمية من الجيد الحفاظ عليها وأن يتواصل إقامتها وبناؤها، في الوقت الذي كانت دول المجلس وما برحت تستثمر في مجال الطاقة من أجل المعمورة والبشرية التي تقطنها، ولكن مع تغيُّر العالم إلى الطاقة الخضراء والنظيفة من الممكن أن تعترضنا جملة من القيود تُبطئ من الاستثمار بتلك الطاقة وتؤخّر من استخدامها، وتحديداً من أجل تخفيف الانبعاثات الكربونية، وكذلك في البحث عن فرص وظيفية للباحثين عن عمل، وابتكارات صناعية حديثة، وفي تنويع مصادر الدخل.

الزاير أضاف أيضاً أن هذه الشراكات الجديدة لدول الخليج هي امتداد للسابق، وهي منفتحة على العالم من أوسع أبوابه عبْر إقامة الحوارات والتقارب على صعيد متنوّع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وحتى الثقافية، وفي هذا المقام على صعيد قطاع الطاقة، ومن باب الإشارة فإن المملكة العربية السعودية ودولة الكويت هما من بين مقدّمة الدول المؤسسة لمنظّمة الأوبك التي تستمر في عملها منذ 60 عاماً، ما يثبت أن دول مجلس التعاون سبّاقة وناجحة في الدخول بدائرة التكتلات الاقتصادية المحمودة والمبادرات الدولية الهادفة، إضافة إلى أن جميع دول الخليج العربي أعضاء في منظمة الطاقة المتجددة الدولية، وغيرها من المنظمات التي تستظلّ تحت مظلة الأمم المتحدة، كتلك المعنية بمجال الطاقة.

"الوطن" حامت فوق معادلة يتم التسويق لها بوقتنا الحالي تتمثل بحقيقة التوجّه العالمي الذي يسير نحو محطة التخفيف من استخدام النفط والغاز، وإفراد مساحة وافية للطاقة المتجددة كسبيل لتغلغلها داخل عديد القطاعات التجارية والصناعية، حسبما نادت به بعض المنصات العالمية المعنية بالطاقة، ليتكفّل الزاير بإعطاء إجابة واضحة مفادها، أن الطاقة المتجددة ليست بحديثة المشهد، إذ لها أعوام وعقود وهي تستحوذ على اهتمام الدول وتوجد في أعلى سلّم أولوياتها وأجنداتها التطويرية، ولكن بات العالم أكثر وعياً بأهمية استغلال هذه الطاقة وتحديد مجالات استخداماتها للتقليل من الكلفة التي يتم إنفاقها على فواتير استخراج الوقود الأحفوري، ولكن هذا لن يغيّر الفكرة بأن النفط والغاز ضروريان وهما المصدران الرئيسيان داخل أي عملية إنتاجية مهما اختلف مجالها، موضّحاً أن العالم يتّكئ باستهلاكه للطاقة على النفط بنسبة 30%، وعلى الغاز بنسبة 20%، لينال الفحم الحجري نصيبه بنسبة 30%، أي ما نسبته 80% من مصادر الطاقة المستخدمة، على أن يستمر هذا الحال لأكثر من 20 سنة قادمة، وهذا ما لفتت النظر إليه الحرب الروسية الأوكرانية عندما اشتعل فتيلها وقتما أصبح العالم الغربي برمّته يتحدث عن نهاية النفط والغاز، وانقطاع إمداداتهما عن أوروبا قاطبة، لتهرع دول هذه القارّة إلى منطقة الخليج العربي طالبةً منها المساعدة والإمداد الطاقي وسدّ الفجوة، الأمر الذي أحدث ما يمكن تسميته "صرخة اليقظة" لتي تنادي بأهمية المحافظة على منابع النفط والغاز، وضمان وجود احتياطيات هائلة وضخمة تُبقينا في الدائرة الآمنة بغض النظر عمّا يدور حولنا، في المقابل، لا بُدّ من تذليل الإمكانات كافّة من أجل استحداث أفضل الطرق للاستثمار في الطاقة المتجددة، ضمن خط متوازٍ مع أنواع الوقود الأحفوري، وبالمعنى الأدق عدم تفضيل طاقة على أخرى، ومن العقلانية جداً إيلاء الاهتمام وبشكل متساوٍ لكلٍّ من النفط والغاز ومعهما الطاقة المتجددة.

وعن تقييمه للسياسات الحكومية بالبحرين في ما يتعلّق بالمجال الطاقي، قال الزاير، إن البحرين دولة منتجة للنفط، وهذا مهم جداً لاقتصادها والحفاظ على مكانتها كإحدى الدول النفطية النشيطة، مشيراً إلى أن وجود وزارة بحرينية متخصصة بالنفط هو أكبر دليل على ما توليه القيادة من اهتمام كبير لزيادة إنتاجيتها من خلال تطوير حقول النفط والغاز واستكشاف الجديد منها بشكل دائم، فضلاً عن مساعيها لأن تستثمر في الطاقة المتجددة لتشكّل 20% من نسبة استهلاكها عند العام 2035.

الطرف الآخر في الجلسة النقاشية التي أقامها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية خبيرة الطاقة السعودية سارة الحارثي، وخلال حوار خاص مع "الوطن" بيّنت أهمية هذه الندوة الحوارية في تقديم صورة شاملة وعرض موسّع حول أهمية الطاقة المتجددة في منطقة الخليج تحديداً،خصوصا مع ما يمرّ به الإقليم والعالم عامّةً من تقلّبات جيوسياسية مختلفة واضطرابات في سوق الطاقة، مؤكّدةً أن اعتماد دول الخليج على الوقود الأحفوري لا يزال يشكّل حيّزاً كبيراً من معادلة اقتصادياتها في المنطقة، مضيفةً أن الطاقة المتجددة هي جزء لا يتجزأ من الفرصة التي تُقبِل عليها المنطقة ككل لريادتها في تصدير الطاقة بجميع أنواعها.

وكانت الحارثي قد أبدت حرصها خلال مداخلتها على ذكر المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الثنائية التي تجمع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي مع جمهورية الصين الشعبية، وأهمية توظيف تلك العلاقات للتسريع في عملية تحوّل الطاقة، بالوقت الذي تحتلّ فيه بكين المرتبة الأولى في تصدير مُعدّات الطاقة المتجددة سواء أكانت من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وكذلك بطاريات التخزين، وأنظمة الهيدروجين الأخضر.

واستطردت قائلة إنه بالمقارنة بمنطقة الشرق الأوسط، يمثّل الخليج العربي 10% فقط من الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة الكُلّي، وهذه النسبة تُعتبر متواضعة إذا ما نظرنا إلى ما تتمتّع به جغرافية الخليج من إمكانات وفيرة، وسهولة في التمويل، ووجود المصادر الطبيعية المتنوعة وكثرتها، إلى جانب اتساع في نطاق التكنولوجيا العصرية المستخدمة في الطاقة المتجددة والتي تُعتبر رخيصة جدا ولا تحتاج إلى كلفة عالية، مشيدةً وفي السياق ذاته، بما بدأته بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات من إقامة مشاريع للطاقة المتجددة حققت أرقاماً قياسيةً كأقل تعرفة للطاقة المتجددة، مؤكّدة على ضرورة رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في الطاقة الكهربائية بشكل عام في الخليج العربي والتي تصل إلى 3%، وهي نسبة جداً ضئيلة ومن الحتمي التسريع من وتيرة العمل لزيادة تلك النِسبة من خلال التنويع في مشاريع الطاقة النظيفة.

الحارثي في حديثها لـ"الوطن" لم تغفل عن سرد أبرز التحديات التي تواجه الطاقة المتجددة في الخليج خاصّة وفي المنطقة بشكل عام، مبيّنةً أنها تتمحوّر حول القدرة على إتمام المشاريع المتعلقة بها، خصوصا مع وجود قِلّةٍ بعدد شركات المقاولات المحلية القادرة على عمل تلك المشاريع وإنجازها ضمن المعايير الدولية لتنفيذها على أرض الواقع، بالإضافة إلى بُطء الجهات الحكومية في إنزال العطايا المتعلّقة بمختلف برامج الطاقة المتجددة، وهذا ما يتطلب لفت النظر إلى المستهدفات وتدعيمها بالسياسات الممكّنة التي تفعّل دور القطاع الخاص وتجعله شريكاً أساسياً في إمضاء مشاريع الطاقة المتنوعة.