موقف عربي موحد تجاه مجمل التحديات والأزمات الدقيقة التي تعيشها الأمة العربية، وإعلان ختامي استثنائي، جاء من القوة والواقعية، على قدر استثنائية المشهد السياسي والأمني والجيوستراتيجي المعقد، وأيضاً ملبياً بقدر كبير لتطلعات وآمال الشعوب العربية، ودعمٌ عربي كامل للقضية الفلسطينية، ومطالبات للمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته التاريخية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني لوقف فوري ومستدام للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومبادرات إقليمية ودولية أطلقتها مملكة البحرين وتبنتها الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة والتي تستهدف خلق البيئة الآمنة والمستقرة لكافة شعوب الشرق الأوسط والبدء في مرحلة التعافي للمنطقة، ورسائل سلام من أرض بحرين السلام إلى العالم، عابرة لجميع بقاع الأرض، مُحملة بدعوات لوقف النزاعات والحروب والاقتتال بين شعوب العالم، والانتصار للإنسانية والكرامة والحرية والحياة.


هذا ملخص لأبرز ماخرج به "إعلان البحرين" في ختام أعمال اجتماع الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، (قمة البحرين)، والتي عُقدت في قصر الصخير بمملكة البحرين، برئاسة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه.


استحواذ للقضية الفلسطينية المركزية ودعم عربي كامل


عبر20 بنداً تضمنها (إعلان البحرين) للقمة العربية الثالثة والثلاثين، استحوذت القضية الفلسطينية على مجمل بنوده، كما أصدر الزعماء العرب بياناً منفصلاً خاصاً حول العدوان الإسرائيلي على غزة واجتياح مدينة رفح الفلسطينية، تأكيداً من رئاسة القمة ومجلس الجامعة العربية على محورية القضية الفلسطينية ومركزيتها باعتبارها عصب السلام والاستقرار في المنطقة، ورسالة لا التباس فيها، بضرورة إنهاء الكارثة الإنسانية التي يعاني منها أكثر من مليونين وثلاث مائة ألف مواطن فلسطيني، وحشد موقف دولي داعم لحق الشعب الفلسطيني بالعيش بأمان وحرية على ترابه الوطني في دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية تفعيلاً لمبدأ حل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية، وتحقيقاً للاستقرار والسلام المستدام في الإقليم والعالم.


وجاء (إعلان البحرين) متسقاً ومتناغماً مع مواقف مملكة البحرين الثابتة والراسخة في دعم ومساندة الأشقاء العرب في قضايا دولهم المصيرية والعادلة، انطلاقاً من الإدراك التام للأهمية الاستراتيجية للأمة العربية على الساحة العالمية، وحرصاً من القيادة الحكيمة على التمسك بالتضامن والتكاتف والتكامل العربي للتحرك الجماعي الموحد في تلك الظروف الراهنة، وإيماناً بقيم التسامح والتعايش الإنساني واحترام ودعم الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات والحضارات،وتعزيز السلم والاستقرار العالمي، وتحقيق التنمية الشاملة القائمة على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، بما يلبي تطلعات الشعوب العربية ويحقق النمو والازدهارالمستدام.


كما حرص بيان القادة العرب المنفصل الصادر بخصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والملحق بـ (إعلان البحرين) على التأكيد بشكل مباشر وحاسم على عدد من المواقف والقرارات العربية الموحدة التالية:


أولاً: الدعوة إلى ضرورة الوقف الفوري والشامل والتام لإطلاق النار، وإنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع مناطق القطاع، ورفع الحصار المفروض عليه، إلى جانب ضرورة توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين والطواقم الطبية والإغاثية، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين.


ثانياً: فتح جميع المعابر أمام إدخال كافة المساعدات الإنسانية لجميع أنحاء القطاع، وتمكين منظمات الأمم المتحدة وخصوصاً وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من العمل بحرية وأمان.


ثالثاً: الرفض العربي القاطع، والتصدي الجماعي لأي محاولات للتهجير القسري للشعب الفلسطيني داخل أرضه أو إلى خارجها، في قطاع غزة والضفة الغربية و القدس الشرقية، باعتباره خرقاً واضحا للقانون الدولي.


رابعاً: إدانة الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة للقانون الدولي والإنساني التي ارتكبت ضد المدنيين الفلسطينيين، وما نتج عنها من قتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.


خامساً: إدانة واستنكار امتداد العدوان الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية التي أصبحت ملجأً لأكثر من مليون ونصف نازح، وسيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، واستهداف الاحتلال تشديد الحصار على المدنيين، مما أدى إلى توقف عمل المعبر وعرقلة تدفق المساعدات الإغاثية، والتهديد من تبعات إنسانية كارثية.


سادساً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى حين تنفيذ حل الدولتين. وتحميل المجلس مسؤولية اتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين ووضع سقف زمني للعملية السياسية وإصدار قرار من مجلس الأمن تحت "الفصل السابع" بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة والمتواصلة الأراضي، على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء أي تواجد للاحتلال على أرضها، مع تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزة.


سابعاً: دعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 10 مايو 2024م بشأن حصول دولة فلسطين على عضوية كاملة بالأمم المتحدة بتأييد 143 دولة، ومطالبة المجتمع الدولي والقوى الدولية المؤثرة الاضطلاع بمسؤولياتها الأخلاقية والقانونية المنوطة بها في مواجهة الممارسات الإسرائيلية العدوانية وتوصيفها بشكل واضح "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".


ثامناً: دعوة كافة الفصائل الفلسطينية للانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتوافق على مشروع وطني جامع ورؤية استراتيجية موحدة.


مبادرات استراتيجية أطلقتها البحرين لاستقرار الشرق الأوسط


في إطار رئاستها لأعمال الدورة الثالثة والثلاثين للقمة العربية ولمدة عام، أخذت مملكة البحرين على عاتقها مسؤولية التقدم بمبادرات إقليمية ودولية تصب في نهجها المتوازن النابع من مسؤوليتها ودورها القيادي والمحوري في مسيرة العمل العربي المشترك وتطوير آفاقه في مختلف المجالات، وهو ما اقترحته المملكة من مبادرات تستهدف خلق البيئة الآمنة والمستقرة لكافة شعوب الشرق الأوسط والبدء في مرحلة التعافي للمنطقة، وهي مبادرات مفصلية حظيت بالإجماع والتوافق العربي والإشادة والترحيب بمستهدفاتها داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية إقليمياً ودولياً وهي على النحو التالي:


1- إصدار دعوة عربية جماعية لعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، بما ينهي الاحتلال الاسرائيلي لكافة الأراضي العربية المحتلة، ويجسد الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة تحقيقاً للسلام العادل والشامل. وقد أعلنت مملكة البحرين عن استعدادها وتشرفها باستضافة هذا المؤتمر الدولي المهم دعما لحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وتعزيزا للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة.


2- توجيه وزراء خارجية الدول العربية بالتحرك "الفوري" والتواصل مع نظرائهم في دول العالم لحثهم على الاعتراف السريع بدولة فلسطين، دعماً للمساعي العربية للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مستقلة وذات سيادة كاملة، وتكثيف الجهود العربية مع جميع أعضاء مجلس الأمن لتحقيق هذا الاعتراف.


3- توفير الخدمات التعليمية والرعاية الصحية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات بالمنطقة، ممن حرموا من حقهم في التعليم النظامي والعلاج، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية وتداعيات النزوح واللجوء والهجرة، بالتعاون والتنسيق بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلم والتربية (اليونسكو) ومنظمة الصحة العالمية ومملكة البحرين.


4- تطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والابتكار والتحول الرقمي، من أجل توفير بيئة ملائمة لتطوير منتجات وخدمات مالية مبتكرة باستخدام التكنولوجيا الحديثة.


وتمثل تلك المبادرات التي أعلنها حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، في كلمته الافتتاحية لأعمال القمة، مرتكزات انطلاق سياسية ودبلوماسية وتنموية، تستهدف بالأساس توفير حياة كريمة مستقرة وآمنة للشعوب العربية كافة. وقد أقرت القمة العربية أن تتولى مملكة البحرين متابعة تنفيذ تلك المبادرات بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والهيئات والمؤسسات العربية والدولية ذات العلاقة، وأن ترفع، بالتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تقارير دورية بشأن سير تنفيذ المبادرات إلى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة.


و تبادر مملكة البحرين بصفتها مقدمة المبادرات للعمل على تنفيذها بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والهيئات والمؤسسات العربية والدولية ذات العلاقة


رؤية عربية موحدة نحو الاستقرار والتنمية المستدامة


إيماناً بأهمية العمل العربي المشترك في الحفاظ على أمن واستقرار الدول العربية والتعاون والتكامل في كافة المجالات، وتأكيدًا على أهمية التعامل برؤية استراتيجية موحدة مع التحديات ومتطلبات التنمية المستدامة لما فيه الخير والنفع للشعوب العربية؛ شمل إعلان القمة العربية الثالثة والثلاثين (إعلان البحرين) دعماً ومساندة لجميع جهود الاستقرار في الدول العربية، خاصة تلك التي تعاني من أزمات ونزاعات داخلية، وذلك وفقاً لمبادئ احترام سيادة الدول وحسن الجوار، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها، والتأكيد على رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والدعوة إلى الحفاظ على وحدة وتماسك مؤسسات الدول العربية وقواتها المسلحة وجميع قواها الوطنية الداخلية، وضرورة الارتكان إلى مسارات الحلول السلمية والحوار والقنوات الدبلوماسية في حل النزاعات والأزمات بعيداً عن الحلول العسكرية التي من شأنها تقويض العملية السياسية، وتهديد استقرار وأمن الشعوب العربية وامتدادها إلى كافة الأقليم، وتعميق المعاناة الإنسانية التي تمر بها مناطق الصراع، وعرقلة جهود التنمية والبناء، وتكريس الفرقة والانقسام وتأجيج الصراعات وفتح مجال للاستقطاب والتدخلات الخارجية.


كما أكد إعلان البحرين على الرفض العربي الموحد والتام لكافة الأعمال الإرهابية تحت أي ذريعة، وكذلك أي دعم للجماعات والميليشات المسلحة التي تعمل خارج نطاق سيادة الدول . كما شدد الإعلان الختامي على التمسك بحرية الملاحة البحرية في المياه الدولية وفقاً لقواعد القانون الدولي واتفاقيات قانون البحار، وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وبحر عُمان والخليج العربي، والدعوة إلى شرق أوسطٍ خالٍ من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، مع دعم حق الدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية لأغراض الطاقة والتنمية.


لقد نجحت مملكة البحرين في تحديد وصياغة رؤى عربية مشتركة جامعة ومتوافقة على أرضها، ترجمها نجاح أعمال قمة البحرين، وبلورت عبر مخرجات إعلان البحرين، خارطة طريق مُبشرة تؤسس لمرحلة جديدة من مستقبل العمل العربي المشترك. كما استطاعت المملكة وبفضل توجيهات وحكمة وقيادة حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، ودعم ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، والجهود والمساعي الدبلوماسية المتوازنة الحكيمة للدبلوماسية البحرينية، وجميع أعضاء فريق البحرين كل في موقعه، تسجيل إنجاز وطني جديد يضاف لسجل منجزاتها الوطنية التاريخية، في ظل المسيرة التنموية الشاملة التي يقودها جلالة الملك المعظم، خلال ربع قرن من الزمان.